الجانب الإيماني يشكل مكونًا أساسيًّا من مكونات الشخصية العمانية منذ البواكير الأولى لظهور رسالة الإسلام كنبراس هداية ومشعل ينير درب الحضارة الإنسانية بشقيها الروحي والمادي داخل عُمان وخارجها. فالإنسان العماني بطبيعته يميل إلى احترام تعاليم دينه الحنيف، ويوقر عقيدته السمحة، ويجل مصادرها الموثوقة، ويوقن بأن الإسلام دين هداية ومنهج للتقدم في الجانب الدنيوي أيضًا حيث يحض الإسلام على العمران والتطور في ذات الوقت الذي يدعو فيه إلى الإيمان بالغيب والبعث والحساب، وهكذا تمسك العمانيون برسالة المسجد ودوره في تكوين البعد الروحي لديه ووضع أطر التقدم التنموي عبر قيم وشرائع مستمدة من الإسلام الحنيف.
ومنذ بداية عصر النهضة المباركة عام 1970 كان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يدرك أهمية هذه القيم الروحية وترسخها في أعمال الشخصية العمانية، وهو بدوره قد تشرب هذه القيم الدينية وتمثلها فعلًا وسلوكًا وتفكيرًا خلال سني دراسته الأولى داخل البلاد، ثم حملها بين جوانحه خلال مرحلة الدراسة في الخارج ليعود مؤمنًا إيمانًا عميقًا بأهمية رسالة المسجد في حياة الشعب العماني، ومن ثم أهمية هذه الرسالة في حشد وتمتين عرى اللحمة العمانية لبناء عُمان الحديثة على مبدأ الموازنة بين الأصالة والمعاصرة عبر الانفتاح العقلي وحرية الفكر والاجتهاد الديني الذي يؤمن بالوسطية والانفتاح على الحضارة الحديثة ومخرجاتها بما لا يتنافى مع أسس عقيدتنا السمحة وتراثنا الإيماني الممتد في أعماق التاريخ.
وفي هذا الإطار تأتي جوامع السلطان قابوس لتقف شاهدة على الاهتمام السامي لجلالته ـ أبقاه الله ـ بإقامة بيوت الله تعالى وإعمارها ليس فقط بروعة البناء والتصميم والفخامة والمساحة الكبيرة، ومراعاة المزج بين العصرنة والروح الإسلامية في فن العمارة، وإنما لتكون مركزًا للتنوير الإسلامي والفقهي والدعوي والفكري، وصروحًا شامخة تعانق السماء مرسلة رسالة في غاية الوضوح حول ما تتميز به عُمان على مر تاريخها من قيم التسامح والتواصل الحضاري والإنساني المرتكز على سماحة الإسلام وروحانيته الداعية إلى الخير والمحبة والوئام والسلام، والإيمان والأمان والاطمئنان، وما ثناء هادي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم على عُمان وأهلها: "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، إلا تاج يرصع جبين عُمان وأهلها، وثناء يكتب بماء الذهب ووصف ليس كأي وصف وخاصة حين يأتي من خير البشر الذي "لا ينطق عن الهوى". كما يأتي في إطار اهتمام جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ ببيوت الله، الأوامر السامية بتخصيص عشرين مليون ريال عماني لبناء وصيانة الجوامع والمساجد في كافة أنحاء السلطنة عديد منها جرى بناؤه بمكرمات خاصة من لدن جلالته وعلى نفقته الذاتية وتحمل اسمه، ومن ثم تقرر أن تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بوضع أوامر جلالته موضع التنفيذ، وبشكل عاجل اقتداء بهذا النهج السامي ومستلهمة تلك المحفزات الدافعة من كرم جلالته وسخاء عطائه وأيضًا من فيضه الإيماني.
اليوم تزهو ولايات السلطنة بجوامع السلطان قابوس وبفن عمارتها والتي منها افتتح بأوامر سامية ومنها قيد الإنشاء ومنها يحل موعد افتتاحه، حيث عاشت ولاية سمائل يوم أمس فرحتين؛ فرحة صيام شهر رمضان وما فيه من روحانيات عظيمة وأجر مضاعف، وفرحة احتفالها بافتتاح جامع السلطان قابوس الذي وبتكليف سامٍ من جلالة السلطان المعظم افتتحه معالي الشيخ عبدالملك بن عبدالله الخليلي وزير العدل. وما من شك إنه عمل عظيم وأجر كبير مضاعف لصاحب اليد البيضاء الذي أمر بإنشائه وعلى نفقته الخاصة، وأن يأتي افتتاحه في هذه الأيام المضمخة بعبق روحانيات شهر رمضان المبارك، الذي يأوي فيه العابدون والمتبتلون إلى بيوت الله تعالى اعتكافًا وتعبدًا وتقربًا إلى خالق الأرض والسماء، وتوثيقًا للوشائج بين العماني والمسجد أو الجامع.
وإذا كانت عُمان تنعم باهتمام جلالته ـ أعزه الله ـ في كل جانب، فإن عطاءاته قد امتدت لتشمل خارج عُمان انطلاقًا من يقين جلالته بوحدة الأمة الإسلامية في العالم أجمع تحت لواء الإسلام، ولإعلاء راية الإسلام في عديد من الدول الإسلامية، بل وغير الإسلامية التي يتواجد فيها المسلمون بكثافة.