[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
أصعب ما واجهته الجغرافية السورية هو ذبح آثارها .. عندما يبحث المؤرخون على تاريخ فإنما يلجأون للأثر، يقرأونه ويستقرأونه، تدمير الأثر عادة اما من عمل الطبيعة أو بيد الانسان .. ولهذا كنا نرى في الآثار السورية ما هو متراكم من ازمان فوق بعضها، كلما كشفنا عن زمن بان لنا الآخر وهكذا.
اليوم اذن يتعرض التاريخ السوري إلى غياب بسبب جهالة القوى التكفيرية وقلة معرفتهم، بل عداؤهم لأي أثر مهما كان نوعه وشكله وامتداده ودوره بل كرههم للتاريخ وكل تاريخ. هؤلاء لم يعرفوا ان الجغرافية السورية باعتبارها مسرحا لأوائل الحضارات وتعاقبها، هي خزان لما تركته من اثر وعبر. ويقال انه كلما قلبنا التربة السورية سنجد ما قد يغير آراءنا حتى بما وصلنا إليه من كتابة في الحضارات ومن قيم.
فكيف لهؤلاء ان يعرفوا ما هو الأثر وما معناه، واذا ما عرفوا وهذا مستحيل فلن يقيموا له وزنا بل سوف يعتبرونه ضد مفاهيمهم .. ترفض الوهابية كل اثر، ومعها كل الحالات التكفيرية التي تأتمر بفكرها.
الاثار السورية اذن تعرضت للتدمير، واكثرها تم نهبه وبيعه عبر وسطاء ولصوص الحروب الذين يتحركون في مثل هذه الحالات، يسرقون ويبيعون دون هم وطني ودون حرص على مدخرات الوطن التي تعنيه كقيمة حضارية.
واليوم يهددون بهدم قلعة حلب التاريخية التي هي مدينة متكاملة تعاقبت عليها تواريخ عديدة وما زالت إلى اليوم ناطقة بها، ثم هي الشكل الجمالي الذي يعطي لحلب قيمتها الشكلية اذا افترضنا انها تعوم على حضارات . فليس من قيمة في المظهر العام للمدينة اذا غابت القلعة عن مشهدها. صحيح ان اسمها قلعة لكنها كانت ملجأ سكان المدينة عند كل حصار تعرضوا له، فهي بالتالي عنوان قيم لتاريخ مضيء، وهي ايضا محطة من محطات طريق الحرير التي كانت تحمل اسسها.
تتعرض اذن الجغرافيا السورية اليوم الى ابشع عملية تدمير منهجي وسرقة ممنهجة. يتم تدمير ابنيتها القديمة كلما حاول المسلحون الارهابيون التقدم أو التراجع، مئات المباني الأثرية صارت ركاما ، لعل ابرزها السوق التجاري الشهير المسقوف معظمه والذي كان يتجاوز طوله اكثر من 16 كيلومترا ويعتبر من اشهر واكبر الأسواق في العالم.
ليست حلب وحدها ما تعرضت له، في كل مكان وصلت إليه ايدي العابثين المسلحين ولصوصهم، تم ذبح التاريخ بالقضاء على كل مظهر حضاري .
نقرأ اليوم تاريخ المغول والتتار والصليبيين واقوام اخرى كل منها ساهم بحرق وتدمير ظواهر زمن سبقه، واليوم نفهم جيدا معنى ان نجد تراكم الآثار فوق بعضها بحيث تصل في مكان ما إلى اكثر من ثلاثة واربعة تراكمات وكل منها يعود لحقبة ولعهد مختلف.
عندما سنكتب التاريخ الحالي سنقول حقيقة ما جرى، ان دولا كبرى وصغرى ( سنذكرها بالاسم) غزت سوريا وقام مسلحوها الارهابيين بتدمير كل ما رأته عين فيما سطا لصوص من كل جنس على ما تبقى من اثر. وهكذا تم محو الوجه الانساني لسوريا بفعل الايادي المجرمة التي اينما وجدت زرعت دمارها اضافة الى الذبح والقتل والتشويه.
لعلنا نذكر جيدا ما جرى لمتحف بغداد يوم غزا الاميركي ارض العراق، ولسوف نذكر جيدا تدمير المتحف الاسلامي في القاهرة، ولكننا ايضا وايضا سنظل نفتح ملفات التخريب التي تعرضت لها البنى الاسلامية من قبل غزوات كثيرة شبيهة بالغزوات الحالية للأرض السورية.