(العدل بين الأبناء)

العدل من الآباء تجاه الأبناء فرض، فرضه الله ورسوله، وجاءت به الآيات والأحاديث النبوية، وأقره الواقع الإسلامي في كل مراحل تاريخ الإسلام، ولكننا اليوم نجد بعض الآباء أو بعض الأمهات قضى أحد أبنائها بمزيد من المال، أو تكتب له أو لها شيئا من الميراث (كبيع وشراء) وهي حية موجودة في الحياة، أو يأتي أب ويقول : كل أبنائي متعلمون إلا فلانًا فسوف أعطيه فدانين من الأرض لكونه فقيرا ولم يتعلم، أو يأتي ويخصه ببعض المشاريع أو العقارات أو الحسابات البنكية، كل تلك الصور محرمة وغير جائزة شرعا، والله ـ تعالى ـ حذرنا ونصحنا كثيرا في كتابه الكريم حيث جاء توزيع التركة واضحا على الأولاد جميعا بنين وبنات " للذكر مثل حظ الانثيين ..." وفي نهاية الآيات، "تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين" النساء / 13 ـ14.
والأصل أن الأولاد كلهم عند آبائهم وأمهاتهم سواء، وعنه الحب بينهم متساوي لا يطغى هذا على ذاك، ولو أراد والدا ووالدة أن يخص أحد أولاده بمزيد حنان أو كبير عطف فليكن بعيدًا عن بقية إخوته، فإذا كان الأولاد مجتمعين وقبل أحدهم، فليقبل الآخرين، وإذا امتدح أحدهم فليأول أن يخص الآخرين بمدح حتى لا يلعب الشيطان في أذهانهم، ويحرك دواخلهم، أو تدب الغيرة القاتلة بينهم ولنتذكر ما حدث لأولاد سيدنا يعقوب على أخيهم يوسف لما روى أن أباهم قد خصصه بمزيد حب وود، حيث كان يوسف ـ عليه السلام ـ طفلا صغيرا، وهم كبار يعتمدون على أنفسهم، ولكن نفوسهم تغيرت، وبدأوا يفكرون في التخلص منه، واجتمعوا على أن يلقوه في بئر عميقه بعيده ويختلقوا سببا غير صحيح وهو أن الذئب أكله، وعادوا بثيابه فقط وحكى ذلك القرآن الكريم لينبهنا على ضرورة العدل والمساواة بين الأولاد قال الله ـتعالى ـ :" لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين، إذ قالوا ليوسف وأخوة أحب إلى أبينا منا ونحن عصبه إن أبانا لفي ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا، يخلو لكم وجه أبيكم وتكونا من بعده قوما صالحين، قال قائلا منه لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون، ارسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون، قال إنني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون، وجاؤوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين، وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمر فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" يوسف / 7 ـ 18.
هكذا فعل الحب الذائد بالابن أمام بقية الأولاد كان سببا في التفكير بالتخلص منه، وإبعاده، ولولا رحمة الله ـ تعالى ـ بيوسف كان قد هلك ومات ولكن عناية الله رعته وقيوميته حفظته، وأعادته إلى والديه في نهاية الأمر.
إن العدل بين الأولاد مطلوب، حتى لا يكون في قلوبهم وحسد وبغضاء فتتفكك عزم الأخوة بينهم وتنحل أواصل المودة وتتلاشي روابط الود والإخاء.
وما حديث النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ حيث أراد النعمان بن بشير- رضى الله عنهما ـ أن يَنْحَلَ ابنه هبة زائدة على إخوانه فردها الرسول الكريم كما روى البخاري عن النعمان بن بشير أن أباه أتي به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما (أي وهبة عبدا كان عندي)، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أكل ولدك عليه مثله؛ فقال: لا. فقال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأرجعه" وفي رواية: فلا تشهد إذا يأتي لا أشهد على جور" رواه مسلم.
لا بد من العدل والإنصاف بين الأولاد حتى ينشؤوا وقد أحبوا بعضهم، وتعاونوا فيما بينهم، وظلوا متآخين متوادِّين متراحمين ويورثون ذلك لأولادهم، والحمد لله الذي رب العالمين.

مها محمد البشير حسين نافع
ماجستير في العلوم الشرعية جمهورية مصر العربية