[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في الأزمة السورية يبدو أنه لم يكن هناك شيء أمرُّ من العلقم يتجرعه المتآمرون على سوريا من انتصارات الجيش العربي السوري، وتقدمه اللافت في الميدان بالضرب على رؤوس التكفير والظلام وأساطين الجاهلية الأولى المدعومين من قوى معسكر التآمر، حيث أصبح لافتًا للانتباه أنه بمجرد حصول تقدم ما على الأرض ينجح فيه الجيش العربي السوري في إلحاق هزيمة نكراء بحق أدوات المتآمرين من العصابات الإرهابية، يرتجع صداه في ردات فعل غاضبة واضحة على ألسنتهم، تأخذ منحى تصعيديًّا.
وفي سياقاته المعروفة القائمة على الكذب والتدليس منذ بدء إعطاء شارة تفجير المؤامرة على سوريا وإلى الآن، لم يخرج القصف الإعلامي الذي شنه جون كيري وزير الخارجية الأميركي على روسيا وسوريا معًا عن الإطار التحريضي المشبع بالكذب والتدليس، حيث إن مقتضيات سير الأحداث تستدعي التدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وفرملة التحرك اللافت للمسارين العسكري والسياسي السوريين أمام تراجع واضح للعصابات الإرهابية التي راهن عليها معسكر التآمر بقيادة الولايات المتحدة، ووسط خشية أقرب إلى العجز من شن عدوان غاشم على سوريا غير معروف العواقب والنتائج وخاصة على الحليف الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني.
فحين تنتهي بكيري لوعة الألم إلى نهاية مثيرة للسخرية يكون بذلك قد أخرج كل ما في جعبة الولايات المتحدة من أحقاد وكراهية تجاه سوريا وشعبها ومحبيها والمدافعين عنها، إلى حد الادعاء بأن ("النظام" ـ السوري) يمارس العرقلة، وأن كل ما قام به هو الاستمرار في إلقاء براميل متفجرة على شعبه ومواصلة تدمير بلاده. ويؤسفني أن أقول إنهم يفعلون ذلك بدعم متزايد من إيران وحزب الله ومن روسيا). وأن "روسيا يجب أن تكون جزءًا من الحل بدل أن توزع المزيد من الأسلحة والمزيد من المساعدات (للنظام السوري) بحيث تمكن في الواقع (الرئيس السوري بشار) الأسد من المزايدة، ما يطرح مشكلة كبرى".
وبالنظر إلى هذه الادعاءات الفاضحة يتضح حجم ما يعتصر قلب كيري وأتباعه من غيظ وحقد تجاه سوريا شعبا وجيشا وقيادة، وتجاه محبي سوريا المخلصين، بسبب تفويتهم على بلاده وذيولها مؤامرة تدميرها، ووقوفهم حجر عثرة أمام المشروع الصهيو ـ أميركي لتقسيم المنطقة وإعادة رسم خريطتها بما يجعل كيان الاحتلال الصهيوني شرطيًّا عليها، فسفير الدبلوماسية الأميركية يحاول بهذا القصف الإعلامي الكاذب التغطية على الدور التآمري الذي تقوم به بلاده وذيولها وأدواتها، وكذلك التغطية على الجسر الجوي الذي أقامته لعملائها من العصابات الإرهابية لإمدادها بالسلاح المتطور وبالدفعات الجديدة من الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات التي ملئت بها مخازن الدول المجاورة والمشتراة بأموال عربية، حيث يتحسب معسكر المؤامرة لمعركة يبرود وما ستحدثه من هزائم نفسية وانكسارات معنوية في حال حسم الجيش العربي السوري المعركة ـ وهو قادر بالتأكيد على ذلك ـ وبالتالي محاولة تفادي معركة قصير أخرى، كما يعد معسكر المؤامرة في الوقت ذاته لمعركة بديلة في الجنوب السوري في القنيطرة ودرعا وحماة، هادفًا من ذلك إلى خلق منطقة حظر جوي من على الحدود السورية ـ الأردنية.
ويبدو أن معسكر المؤامرة على سوريا لم يقف عند حد الترويج للكذب والدعايات والتسويف والتضليل، بل يسعى إلى التقدم في مناطق نفوذ أخرى والعبث في المناطق الخلفية لروسيا انتقامًا منها على دورها الصامد ومبدئها الأخلاقي في احترام الشرعية الدولية والقوانين الدولية لا سيما ذات العلاقة بسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والدفاع عن هذه الشرعية والقوانين بغض النظر عن اهتمامها برعاية مصالحها. فإشعال المزيد من الحرائق والمؤامرات في فنزويلا والبرازيل بالإضافة إلى أوكرانيا، تحت هوس الاستماتة لتسجيل نقاط إضافية يمكن بها ممارسة الابتزاز وصرفه في السياسة لتعويض الفشل في الميدان. إذ لا يعقل أن تختفي فوضى المعارضة فجأة ثم تظهر فجأة ما لم تكن هناك أصابع تحرض على ذلك لتأخذ الفوضى منحى تصاعديًّا وسخونة عالية تحتدم فيها المواجهات فيسقط جراءها قتلى وجرحى، وكذلك الحال في البرازيل. فلم تأتِ من فراغ الأوامر التي أصدرها الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو الأحد الماضي بطرد ثلاثة مسؤولين بالقنصلية الأميركية ردًّا على (المؤامرة والتهديدات) من واشنطن بشأن الفوضى والاضطرابات التي تشهدها فنزويلا، فهؤلاء المسؤولون الثلاثة ـ حسب مادورو ـ تسللوا إلى الجامعات وشاركوا في التحريض السياسي تحت غطاء تقديم تأشيرات للطلاب، وكذلك تأكيدات المسؤولين الأوكرانيين على التدخل الغربي في الشأن الداخلي الأوكراني وتحريض حفنة من الشبان ومن يتزعمهم ممن يوالي الغرب، وشكاواهم المتكررة من انتهاك السيادة الأوكرانية.
إذن، من الواضح أن الأميركي يتحسب لتراجع مخيف لامبراطوريته التي لعبت ـ في سبيل البقاء والتأثير والسيطرة ـ على الحروب والإرهاب والفتن والمؤامرات، وبات يشعر بآلام شديدة وفي مواضع عدة، سواء في سوريا وصمود شعبها وبطولة جيشها الباسل، أو في مصر الباحثة في روسيا عن حليف ذي موثوقية لا يتنكر لحلفائه وعلاقاته وليس من طبعه الغدر ويراهن على الإرهاب لضرب الأمن القومي المصري ليضمن تبعيتها له ولخدمة كيان احتلالي صهيوني غاصب، وبالتالي فإن الأميركي وإلى الآن على الأقل لم تنفعه لتدارك التراجع والإصابات أو تخفيف الألم أساليب التحريض وفائض النفاق الذي يوظفه والحرائق التي يشعلها في اتجاهات الأرض الأربعة.
لكن وللحق ما كان لنا أن نشاهد الحضور اللافت لروسيا وتعدد المحاور لولا سوريا وصمود شعبها وجيشه العربي الباسل، التي أعطت قوة دفع وشحنة معنوية كبيرة لحلفائها في مواجهة خصومهم التقليديين والجدد وذيولهم وعملائهم.