[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” ..إن مخطط إقامة جدار طوله 178 كلم قررته دولة المجر عضوة الإتحاد الأوروبي المرفه بينها وبين صربيا غير العضوة هو مؤشر خطير لما ينتظر بقية الدول الأوروبية لعلها أيضا تفكر في حلول نهائية من النوع نفسه فأسبانيا مثلا أقامت جدارا بين مدينتي سبتة ومليلة وبين المملكة المغربية رغم أن هاتين المدينتين محتلتان من أسبانيا و تقعان في قلب المغرب ومسكونتان من قبل مسلمين مغاربة وهو من باب الاستخراب لا غير...”
ــــــــــــــــــــــــــ

أصبح هاجس الهجرة السرية اليوم هو أولوية قصوى للدول الأوروبية وتقرر في الإتحاد الأوروبي أن تخصص له قمة أوروبية تنعقد بعد أسابيع في جزيرة مالطة وربما يدعى اليها رؤساء الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط لأن المعضلة في الحقيقة مشتركة بين ضفتي البحر. المتوسط أصبح خندقا عميقا ورهيبا يفصل بين عالمين مختلفين لكل واحد منهما هموم خاصة وحالات اقتصادية واجتماعية مختلفة ورؤى مستقبلية متناقضة, وهو أصل المعضلة. وحين نريد إيجاز المعضلة في بعض الحقائق والاحصاءات نقول أن سنة 2014 سجلت هلاك 980 شابا و شابة في مقتبل العمر ركبوا البحر من سواحل ليبيا أو تونس أو الصومال أو المملكة المغربية على قوارب صيد أو مراكب نجاة بسيطة وهشة وتوجهوا بقيادة سماسرة الى سواحل الجنة الموعودة فوقع ما كان متوقعا وهو غرق الشباب التائه في البحر وصدق الصحفي التونسي حين رسم رسما على صفحات يومية ينقل فيه مأساة هؤلاء الضحايا وكتب تحت الرسم (عجزت الحكومات عن توفير لحم السمك للبشر ولكنها نجحت في توفير لحم البشر للسمك) هنا تكمن الفاجعة ونجد أصل المأساة فالحكومات جنوب المتوسط تعاقبت وحكمت وفسدت وأنهكت ثم انهارت عديد الدول بمؤسساتها المنخورة بدود الإستبداد و داء الفساد ووقعت إنتفاضات أعقبتها إنتفاضات مضادة وخسرت شعوبهم زمنا طويلا في فوضى خسرت فيها أكثر مما ربحت وضلت أكثر مما اهتدت وتفاقم الخطب وتفككت الدول وضاع الشباب الباحث عن عمل بعد أن عقد الأمل على الخروج من الأزمة ولم يجد عشرات الآلاف منهم أمامه سوى طريقين للخلاص الموهوم: إما التوجه نحو الموصل أو طرابلس أو دير الزور أو تعز ليتحول الى عنصر عنيف أو التوجه نحو جزيرة بنتليريا أو جبل طارق ليلقي بنفسه في شواطئ مهجورة تنتمي ألى الإتحاد الأوروبي. هنا نرى أن الطريقين ليسا طريقي أمان أو نجاة بل هجرة للشمال بحثا عن عمل و معنى لحياة و إصرار على البقاء حيا عوض الموت البطيء في مقاهي الأحياء الفقيرة والمناطق المهمشة والبلدان الملعونة بالفقر والجفاف وسوء الإدارة! اليوم نحن على مفترق طرق عجيبة فالإتحاد الأوروبي يريد حلولا لا تقل وهما عن حلول الشباب الضائع الحكوما ت الأوروبية قررت إنشاء قوة عسكرية مشتركة لم يتفق قادتها على تحديد أهدافها ولا عقيدتها العسكرية فهل هي ستدك سواحل الجنوب المشبوهة بالتهريب البشري وكيف ستضرب أهدافا معقدة وغير محددة ؟ ومن سيموت تحت قنابل أوروبية المهاجرون المساكين وأولادهم أم فقط السماسرة المهربين و تجار المأساة ؟ ومن سيكون في قيادة القوة لينجز المهمة المستحيلة. الاتجاه تقرر أن يكون في الإتفاق والتنسيق مع دول البلدان المصدرة للهجرة ولكن سوء التفاهم القائم نجده كاملا بين دول أوروبا التي كانت مستعمرة للشعوب نفسها الرازحة تحت نير الفقر والجوع والفوضى وبعض حكام العرب والأفارقة يحملون اليوم تفاقم معضلاتهم لدول أوروبا فهي التي استعبدت تلك الأمم حوالي القرن واستغلت خيراتها لإثراء القارة الأوروبية بل إن شباب العرب والأفارقة في القرن الماضي في الحربين العالميتين الأولى و الثانية أجبروا على خدمة عسكرية وحملوا للجبهات ضد النازية الألمانية ليكونوا وقودا للحروب الأوروبية الأوروبية ولا ناقة لهم فيها ولا جمل فمات مئات الألاف من المغاربيين المسلمين وأبناء القارة السمراء على مدى حربين رافعين علم فرنسا المثلث وعندما ساهموا بقسط عظيم في تحرير التراب الفرنسي من الإحتلال النازي وانتهى القتال بانتصار الحلفاء على الفاشية سنة 1945 جوزيت شعوبنا جزاء سنمار واستمر الإستعمار الغاشم على أمتنا وعرفنا ويلات القتل والتهجير والتفقير واغتصاب الأرض والعرض على أيدي من أصبحوا صليبيين جددا بدعوى تمديننا! سبحان الله و نجد أنفسنا سنة 2015 معرضين لقوة أوروبية مشتركة تبرمج لمخططات بهلوانية بحجة وقف تيارات الهجرة السرية وقد دلت الاحصاءات على أن عدد المهاجرين الواصلين للسواحل الأوروبية بلغ سنة 2014 و نصف 2015 ما يقارب 100 الف. ثم تعالت أصوات من السياسيين الأوروبيين العقلاء تنادي بحلول إنسانية أي برمجة استيعاب دول أوروبا لأعداد معقولة من الكفاءات العربية والإفريقية لتصبح هجرة هؤلاء الشباب شرعية تندمج في الدورة الإقتصادية للدول المتقدمة هناك ولكن المفترح السليم إياه لم يجد أي مشحع عليه والسبب هو الأزمة الاقتثادية والاجتماعية المتفاقمة أيضا على الساحل الشمالي وأوصلت بلادا مثل اليونان إلى الأفلاس كما اوصلت اسبانيا وايطاليا الى حافة الخروج من منطقة اليورو لولا الدعم الألماني بمليارات اليوروات و هو ما يقض مضجع الشعب الألماني و احزابه اليمينية التي ضاقت بإعانة من يسميهم الألمان بالكسالى والضعفاء من أعضاء الإتحاد الأوروبي! اما بعض الحكومات العربية والافريقية فهي تطالب ببرنامج مثيل ببرنامج مارشال وهو ما أنجزته الحكومة الأميركية غداة الحرب الكونية الثانية لضخ أموال طائلة في أقتصادات الدول الأوروبية التي شاركت في هزيمة العدو الألماني الإيطالي الياباني المشترك. وكيف لا يحق لشعوب عانت ويلات الإستعمار قرنا أن لا تطالب على الأقل بتعويض القرن الرهيب ببعض المعونة في تنمية اقتصادها وتشغيل شبابها. والتهديد القادم من فقر البلدان الجنوبية أصبح يطال دول الشمال بصورة مباشرة متمثلا في تفاقم الإرهاب في عقر دارها و نزوح عشرات الألاف من فقراء الجنوب لجنتهم الموصدة. والملاحظ أن مخطط إقامة جدار طوله 178 كلم قررته دولة المجر عضوة الإتحاد الأوروبي المرفه بينها وبين صربيا غير العضوة هو مؤشر خطير لما ينتظر بقية الدول الأوروبية لعلها أيضا تفكر في حلول نهائية من النوع نفسه فأسبانيا مثلا أقامت جدارا بين مدينتي سبتة ومليلة وبين المملكة المغربية رغم أن هاتين المدينتين محتلتان من أسبانيا و تقعان في قلب المغرب ومسكونتان من قبل مسلمين مغاربة وهو من باب الإستخراب لا غير تمام كالاستخراب الصهيوني لفلسطين. فالجدران ربما تتكاثر لتزيد العالم فواجع الفرقة والصدام والعنف! اليوم نقول هل منهم ومنا من يحما أمانة المصير بحكمة و هل فيهم و فينا رجل رشيد لأننا مهما كانت تحليلاتنا لأوضاعنا ومعضلاتنا فاننا مشتركون في السراء و الضراء و مصيرنا واحد حين نتخلى نحن عن سياسة الهوان واحتقار انفسنا و الخضوع لإملاءات الغرب و مصالحه وحين يتخلى الأوروبيون عن سياسة التركيع وفرض خياراتهم على نخبنا المتمسكة بأهدابهم و أهدافهم. أما حين نقبل و نرضى بالتبعية فان شبابنا نفد صبره و تحول الى قوة ارادة ما كان احرى ان نتسمع الى تطلعاته و اماله و نحقق له و لبلادنا ما تطمح اليه كمم حريات اساسية و حقوق مشروعة.