[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” على ما يبدو أن الوزير الفرنسي لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الائتلاف الحكومي الحالي في الكيان! وإلا لفكر مرارا قبل طرح بلده فرنسا, لمبادرة جديدة. معروف أن نتنياهو وفي أوج قوته, ودون الاعتماد على الأحزاب الفاشية المتطرفة في ائتلافه الحاكم, ودون الخضوع لاشتراطاتها, رفض مبادرات دولية شبيهة بالمبادرة الفرنسية!.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جولة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الشرق اوسطية, لم تسفر إلا عن ذات الفراغ, الذي وصلت إليه الدبلوماسية الأميركية من خلال جولات كيري المتعددة, والدبلوماسية الأوروبية مجتمعة ومنفردة!. السبب بالطبع: شروط نتنياهو التعجيزية الذي رفض كل ما جرى طرحه من مبادرات لا تعد ولا تحصى, وفقط يريد الحل الإسرائيلي المتمثل في حقوق فلسطينية سقفها, الحكم الذاتي منزوع السيادة والصلاحيات, إلا على القضايا الحياتية للسكان الفلسطينيين, وموافقتهم على كل الشروط الإسرائيلية للحل مع اعترافهم بـ "يهودية إسرائيل"!. نتنياهو وحتى من قبل وصول فابيوس إلى الكيان , صرّح " بأننا نرفض أية املاءات دولية فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي", وفي المؤتمر الصحفي مع فابيوس بعد اجتماع الطرفين, أعلن "أن السبيل الوحيد للحل هو المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين" , وشدد على ضرورة اعترافهم بـ "يهودية إسرائيل".
على ما يبدو أن الوزير الفرنسي لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الائتلاف الحكومي الحالي في الكيان! وإلا لفكر مرارا قبل طرح بلده فرنسا, لمبادرة جديدة. معروف أن نتنياهو وفي أوج قوته, ودون الاعتماد على الأحزاب الفاشية المتطرفة في ائتلافه الحاكم, ودون الخضوع لاشتراطاتها, رفض مبادرات دولية شبيهة بالمبادرة الفرنسية!.
بداية, لست معجبا بالمبادرة الفرنسية ولست من مؤيديها! إذ أرى أنها لا تستجيب حتى لأدنى حقوق شعبنا الفلسطيني .. دعونا نستعرض الماضي بإلقاء الضوء على المبادرة الفرنسية الأولى ( التي كانت في عهد ساركوزي!) والتي انطلقت من عودة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية على أساس دولة للفلسطينيين على حدود 4 يونيو 1967، وإخضاع القضايا المختلف عليها كاللاجئين والقدس وغيرهما إلى التفاوض بين الجانبين، وعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في باريس, يحضره الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني،إضافة إلى الأطراف الدولية. هذا هو ملخص المبادرة الفرنسية السابقة التي بالطبع لم يكتب لها النجاح ! المبادرة الجديدة قزّمت الحقوق الفلسطينية أكثر من السابقة فهي تحمل ذات المضمون مع إجراء تبادل طفيف للأراضي بين الجانبين, وأن القدس عاصمة للدولتين .. بالتالي لا داعي لطرح بنودها!. المبادرة لم تطرح حق عودة اللاجئين ولا القول صراحة بأن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة!؟, ولا نادت بإطلاق سراح الاسرى! ولا بغير ذلك من الحقوق! هي أرادت عودة المفاوضات فقط.
من قبل..اعترضت وزيرة الخارجية الأميركية حينها هيلاري كلينتون على بعض نقاط المبادرة الفرنسية السابقة وبذلك تم إحباطها في مهدها."هذا الأمر لم يُثن فرنسا عن المُضّي بمبادرتها وفقاً لتصريحات ناطقها الرسمي آنذاك في المقر الدائم للأمم المتحدة !.. رغم ذلك جرى إجهاض المبادرة... وذهبت في مهب الريح!
من الجدير ذكره القول بأن فرنسا ألمحت مراراً من خلال الرئيس ساركوزي آنذاك... وفي مقابلة له مع مجلة"إكسبرس الفرنسية الأسبوعية", ومن خلال المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة..إلى ما معناه أن فرنسا ستتحمل مسؤوليتها إذا لم تُستأنف عملية السلام بين الجانبين! ذهب ساركوزي بالطبع .. وطارت المبادرة.
ربما الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية الذي تم, يشكل نقطة الافتراق الوحيدة بين الموقفين الأميركي والفرنسي فيما يتعلق بالتسوية في الشرق الأوسط، فمن المعروف أن الإدارة الأميركية تعارض تماماً طرح هذا الموضوع في الأمم المتحدة.
فرنسا حتى في مبادرتها الجديدة ... لم تتجاهل المطالب الإسرائيلية في: "تعديل الحدود"، ذلك يعود إلى الموقف الفرنسي من القرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يدعو إلى انسحاب إسرائيل من أراض( وليس من الأراضي) فلسطينية احتلتها عام 1967، آنذاك وحين صدور القرار في المنظمة الدولية أُثيرت الفروقات بين النسخة العربية للقرار وتحديداً القول بـ (الانسحاب من الأراضي) والنسخة باللغات الأخرى والذي جاء بـ(الانسحاب من أراضٍ) ,وتصاعد الجدل كثيراً آنذاك بين الوفود العربية , وتفسير الولايات المتحدة للقرار،ومعها وقفت كل من بريطانيا وفرنسا بالطبع. المقصود القول أن باريس تعترف بما تطالب به إسرائيل من تعديل للحدود، والتعديلات التي تطلبها إسرائيل كثيرة(مثل شهيتها لاحتلال الأراضي العربية) فهي التعديلات التي تُبقى على المستوطنات والمستوطنين، والطرق الالتفافية والجدار العازل في الضفة الغربية، أي أن الدولة الفلسطينية ستقام على أقل من 30% من مساحة الضفة الغربية بالإضافة إلى قطاع غزة،دولة بكانتونات متفرقة مقطعة الأوصال.بالطبع ليس هدف إسرائيل من التعديلات ما تدعّيه:المحافظة على الأمن وعدم القدرة على حماية تلك الحدود،فالصواريخ الحديثة قريبة وبعيدة المدى قادرة على الوصول إلى أية نقطة فيها،الهدف الحقيقي للدولة الصهيونية هو:التخلص من الكثافة السكانية العربية الكبيرة في منطقة المثلث في أراضي 1948 في سبيل نقاء دولتها اليهودية.
يتوجب القول أيضا..إن فرنسا اعترفت بـ "يهودية الدولة الصهيونية" وهوما يقطع الطريق على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194،الأمر الذي يشي بأن ما جاء في المبادرة الفرنسية .. في السابقة وفي الحالية من إخضاع قضايا الخلاف بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني كحق عودة اللاجئين.. والقدس (التي لن تكون أفضل حالاً من موضوع اللاجئين)، للمفاوضات بينهما... فهذه قضايا تم حسمها اسرائيليا.. هذا الاعتراف يقطع الطريق على كل ما طرحته في مبادرتها الجديدة! ألم تفكر فرنسا بذلك حين صاغت مبادرتها الجديدة!؟.
شيء آخر يتوجب استذكاره أن الرئيس أوباما (ومبادؤه) للحل معروفة تماماً, فهو أعلنها مرارا ضرورة تعديل حدود عام 1967، مراعاة التغييرات الديموغرافية الجديدة في الضفة الغربية(أي الإبقاء على المستوطنات). الدولة الفلسطينية تكون منزوعة السلاح،لا عودة مطلقاً للاجئين الفلسطينيين، تفهم المطالب الأمنية الإسرائيلية وتداعياتها ... الخ! فهل ستختلف مبادرة فرنسا الجديدة عما يقرره الراعي الأميركي للكيان !! وللحلفاء الغربيين.. ومنهم فرنسا !؟ سؤال ندرك تماما الإجابة عليه!.نود فقط أن نسأل: وبماذا تختلف المبادرة الفرنسية الجديدة عن المبادىء الأميركية للحل الذي أعلنه اوباما ومن قبله كلينتون وبوش الابن؟ ومع ذلك رفض نتنياهو مبادىء الدولة ولية نعمته, للحل! فكيف يتوقع فابيوس نجاح مبادرته!؟.
ومع كل هذا التعامي الفرنسي عن الحقوق الفلسطينية والانحياز للكيان .. رفض نتنياهو المقترحات التي جاء بها فابيوس ! ألم نقل لكم أن لا حل مع هذا الكيان إلا باجتثاثه من جذوره ومن خلال القوة.. والقوة وحدها.