يقول الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } سورة الأنبياء الآية"107" . هذه هي حقيقة نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم-، وهذه هي حقيقة رسالته، فهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، فما من ذرة من ذرات هذا الكون الواسع الفسيح إلا وهي مغمورة بهذه الرحمة مشمولة بهذه النعمة، لأن العالمين جمع عالم وهو كل ما سوى الله عز وجل والعوالم كثيرة لا يعلمها إلا الله وهي قسمان: منها عوالم غيبية وأخرى مشاهدة فالغيبية كعالم الملائكة وعالم الجن والمشاهدة كعالم الإنس، وعالم الحيوان، وعالم النبات، وعالم الجماد.
والناظر في سيرته وسنته عليه الصلاة والسلام يجد أن رحمته – صلى الله عليه وسلم- تتجلى واضحة في كل مواقفه وخطواته مع أتباعه وأعدائه منذ ولادته حتى وفاته ومن صور تلك الرحمة عتق ثويبة بمناسبة ولادته عليه السلام، وعندما أرسل إلى البادية عم الخير والخصب في بني سعد، وعندما اختلفت قريش في رفع الحجر الأسود كان سببا في فض النزاع وإخماد نار الفتنة التي كادت أن تشتعل بين قبائل قريش. وعندما رجع من الطائف نزل عليه جبريل وأخبره إن شاء أن يطبق ملك الجبال الأخشبين على أهل مكة فليكن إلا أنه رفض عليه الصلاة والسلام هذا العرض ودعا ربه قائلاً: ” اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”، وعندما دخل مكة فاتحاً منتصراً خاطب زعماء قريش قائلاً: “ماذا تظنون أني فاعل بكم” قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال عليه الصلاة والسلام: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
ولنتأمل هذه الأحاديث الشريفة يقول –صلى الله عليه وسلم-: “ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة ”، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه – صلى الله عليه وسلم- قال: “دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض” .
ويقول عليه الصلاة والسلام: “بينما رجل يمشي في الطريق فاشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب وخرج فإذا بكلب يلهث ويأكل الثري من العطش فقال الرجل:” لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني فنزل البئر فملأ خفه بالماء فأمسكه بفيه فطلع فسقى الكلب فشكر الله وغفر له” فقالوا: يا رسول الله إنَّ لنا في البهائم لأجراً ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: “في كل كبد رطبة أجر” وعن أبي عبيدة عن جابر بن زيد –رحمهما الله- قال: بلغني عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن المشي في الزرع وقال: “ لا يمشي فيه إلا ثلاثة: ساقيه أو ناقيه أو واقيه ”، قال الربيع: الواقي: الحافظ، والناقي الذي يخرج منه الكلأ. وأقول: أين المسلمون من هذا الحديث وقد اتخذ الكثير منهم المساحات المزروعة أمام المستشفيات وفي الحدائق والمنتزهات وغيرها من المؤسسات والأماكن العامة طرقاً للسير واستراحات للجلوس فبدلاً من أن يحافظوا على الحشائش والمزروعات أتلفوها بصنيعهم هذا فحدث لها ما حدث.
إن نبينا نبي الرحمة كان يؤرقه كثيراً أن يرى على الأرض بائساً أو محروماً أو يرى في الأرض خراباً أو فساداً أو يشاهد إساءة إلى طير أو حيوان أو نبات أو جماد فمن أجل الرحمة بمن في الأرض أنفق عليه الصلاة والسلام كل ما يملك عطفاً على يتيم أو شفقة بمحروم أو حناناً على ملهوف وفضل أن يعيش هو وأهله على الكفاف بل كان يرى الكفاف كثيراً ورحمته صلى الله عليه وسلم تتجلى حتى في ساحات الجهاد فقد كان يوصي جنوده أن يرحموا الشيوخ والضعفاء والنساء والأطفال، ويوصيهم بعدم تخريب العامر أو إفساد الزرع أو قطع الشجر أو إتلاف الثمر، فهو يريد بقلبه العامر بالرحمة والشفقة أن يحافظ على عمارة الكون وازدهار الحياة ويسعى إلى إسعاد الكائنات جميعاً، فما أحوج العالم إلى رحمته صلى الله عليه وسلم.