هو الشيخ العالم سالم بن خميس الحسيني من علماء القرن الثاني عشر الهجري، حي (1121هـ/ 1709م)، من بلدة محليا من وادي عندام، عاش في أيام دولة اليعاربة وعاصر منهم الإمام سيف بن سلطان بن سيف الأول، من الفقهاء المتمكنين والمفتين البارعين، له مؤلفات كثيرة منها:
1- فواكه البستان الهادي إلى طريق طاعة الرحمن. وهو مطبوع.
2- التقييد والاختصار وهو المخطوط الذي عليه مدار حديثنا هذه الحلقة.
3- أجوبة في كتب المتأخرين.
التقييد والاختصار برقم: (599)
من الكنوز العلمية التي تحويها مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي مخطوط قيم في بابه بعنوان: التقييد والاختصار، للشيخ الجليل: سالم بن خميس الحسيني، كما هو واضح في الأبيات الشعرية آخر المخطوط، وكما هو مدون بخط السيد محمد في أول المخطوط.
يقع هذا السفر القيم في خزانة حرف التاء، مصنفا تحت رقم: (599)، ويحمل بين ثناياه خمسمائة وسبعة وستين من الصفحات، بمقاس 30 سم طولا و واحد وعشرين سم عرضا، لم يختلف كثيرا على تنسيق المخطوطات الأخرى، فقد أبدع ناسخه الشيخ محمد بن سالم بن راشد بن خلف بن عبيدان لشيخه عبد الله بن خميس بن علي الحم راشدي العقري النزوي، حيث أبدع في ذلك أيما إبداع من حيث جودة الخط وتنوع التنسيقات، مستعملا في ذلك خطا مشرقيا واضحا وجميلا، رقيقا باعتبار، مطرزا إياه باللونين الأسود والأحمر وهذا الأخير خصصه للتنسيقات وكتابة العناوين ورؤوس المسائل والأبواب. وتحمل كل صفحة من صفحاته ما يقارب 24 سطرا.
حالة المخطوط في الواقع بحالة متوسطة أو أقل من ذلك، نظرا لتأثر أغلب الصفحات على مستوى الحواف، ذلك أن نوعية الورق المستعمل لم تكن في حدود تقديري على مستوى يمكن أن يحافظ على مادة الكتاب، لذا نجد أن الترميم جاء على أغلب المخطوط فيما يتعلق بالحواف، ولعل الصفحات الأولى والأخيرة أشد تأثرا، ولم يسلم المخطوط من علامات تؤكد تعرضه للرطوبة وعوامل الزمن، الأمر الذي يبدو واضحا جليا للعيان في أغلب الصفحات، الأمر الذي يجعل حقيقة ترميمه أمرا مستعجلا لا بد منه، إن كان يرجى لمثل هذه الكنوز البقاء والاستمرار ليعم به النفع، خاصة إن علمنا أن موضوع المخطوط من الموضوعات القيمة، حيث جمع فيه مؤلفه دررا وجواهر في أبواب مختلفة من أبواب الفقه، جامعا ما ذكره بعض فطاحل العلماء في ذلك، الأمر الذي أكسب المخطوط مكانة بين المخطوطات.
فقد قسم الشيخ الكتاب إلى أربعة عشر بابا، بداية من الأبواب الفقهية المعروفة والمعتادة، مرورا ببعض القصائد والمقصورات المهمة كالأمر والنهي، والضرورات، ومقصورة الشيخ الفقيه خلف بن سنان الغافري وغيره، وهو الباب الأخير من المخطوط.
ما شدّ انتباهي في هذا المخطوط وجود خط بيد الشيخ محمد بن شيخان السالمي، حيث بدا لي أن هذا المخطوط وقبل أن ينتقل إلى ملك السيد محمد كان ملكا للشيخ محمد بن شيخان السالمي، وهذا بدليل الكتابة المثبتة لذلك في الصفحة الثالثة منه، إضافة إلى ذرك بعض التواريخ المهمة المتعلقة ببعض الأحداث يجدها المطلع على المخطوط في الصفحة الثالثة منه.
ما يلزم التنبيه إليه ان الصفحة الأولى من المخطوط هي في الأصل الصفحة الثانية، والصفحة الثانية هي الصفحة الأولى، ذلك أن ترتيب الأبواب لم يكن متناسقا، الأمر الذي جعلني أقلّبُ صَفَحَات المخطوط فتبين لي أن الذي رمم المخطوط قلب بين هاتين الصفحتين حتى كدت أشك أن هنالك قطعة أخرى من هذا المخطوط لولا فضل الله تعالى حيث تنبهت إلى أن الأبواب مرتبة ترتيبا سليما، حيث كان عدد الأبواب أربعة عشر بابا خصص الباب الأخير لذكر بعض القصائد الشريفة الشرعية.
وقبل هذه الصفحة الأولى نلاحظ أثر خط السيد محمد – رحمه الله- حيث كتب بيده عنوان المخطوط واسم المؤلف أو الجامع إن صح التعبير، دون ذكر لقبيلة المؤلف، وأشار إلى رقمه في خزانة المخطوطات، وأعلى هذه الكتابة خطان مختلفان يحويان معلومات تاريخية بخط الشيخ أبو حميد يوم 26 رمضان 1340هـ، وخط آخر فيه توثيق لبداية قراءة هذا المخطوط يوم 21 رجب 1331هـ.
بداية المخطوط:
يبتدئ هذا المخطوط بداية فعلية من الصفحة الثالثة بـ: ÷ بسم الله الرحمن الرحيم من جواب الشيخ القاضي محمد بن عبد الله بن جمعة بن عبيدان رحمه الله، الزعفران إذا خلط معه شيء من أخلاط الطيب أيجوز للرجل أن يتطيب به إذا كان غير ظاهر لونه عليه؟ الجواب: وبالله التوفيق يعجبني التنزه عنه ما لم تكن عليه مضرَّة في تركه والله أعلم×.
نهاية المخطوط:
ينتهي المخطوط بأبيات للشيخ سعيد بن سليمان بن سرحة بن حرمل من ذلك:
فجزاهم عنَّا الإله بخير إذ أضاءوا لنا شموس نهـــار
وجزا الحبر سالم بن خميس كوكب الأفق في الليالي السرار
فليطل عمره ولا عدمـته دورنا هذه لنا من منــــار.
تمّ الكتاب بهون الملك الوهاب والله الموافق للحق والصواب، وكان الفراغ من نسخه صبيحة الأحد وستة وعشرون خلت من شهر جمادى الآخر سنة ثمان سنين وثمانين سنة ومائة سنة وألف سنة ...الهجرة النبوية صلى الله على محمد النبي وآله وسلّم وكان تمامه على يدي الفقير إلى الله تعالى محمد بن سالم بن راشد بن خلف بن عبيدان، نسخه لشيخه ومحبه الشيخ الثقة العدل العزيز عبد الله بن خميس بن علي حم راشدي العقري النزوي، اللهم ارحمنا وارحم جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على رسوله محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلَّم× (صفحة 567 من المخطوط).
مقتطفات من المخطوط:
لا يخفى على قارئ المخطوط أهمية ما ذكره الشيخ فيه، لذا سأحاول الاقتصار على ذكر بعض المسائل التي وردت في باب من أبوابه من باب التمثيل، ولمن أراد الاستزادة من ذلك فإن ذلك يشرف المكتبة خدمة للباحثين والمتعلمين، فمن بين المسائل التي وردت في الباب التاسع في ضروب شتى من الدعاوى والأحكام وأمور القوام بأمور الإسلام وما يجوز لهم وما لا يجوز وما يجب عليهم وما ينبغي لهم وما هو من نحو هذا، يقول : ÷ ...مسألة: ومنه وكذلك من به علّة الجدري، إذا قال أهل البلد أنهم يريدون خروجه من البلد وأبى هو، أيحكم عليه بالخروج ولو كره أم لا؟ الجواب: إن صحَّ بالبينة العادلة أنه يؤثر في الأصحَّاء وطلب أحد الأصحّاء منع ذلك عنه حيث لا مضرّة على المريض وقال من قال: لا يمنع والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ومن غيره: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله وسلّم تسليما كثيرا دايما باقيا، سألني سائل عمّن ظهرت به علّة الحصبة أو الجدري، من قطر من الأقطار ومصر من الأمصار كان من الصغار أو الكبار أو من ذوي الخصاصة أو اليسار كان مقيما أو مسافرا باديا أو حاضرا، كان أهل تلك العلة قليلا أو كثيرا، أو متأمرا عليه أو أسيرا، فطلب البعض أو الكل من أهل تلك المواضع إلى القائم بأمر المسلمين المساوي بالحق والعدل بين الداني والشاسع عزل من به تلك العلة عن ذلك القطر أو المصر أو تلك المحلة، شق ذلك على صاحبها أو ذويه من أذى أو خوف أو قلّة، فهل على القائم بأمر المسلمين أن يلبيهم إلى ذلك ولو مسّ من به ذلك أو ذويه الضرر والمشقة أو خيف عليه من المهالك،.
فاعلم علمك الله ما لم تعلم وهداك الطريق الأقوم أنا لم نعلم من أحد أئمة المسلمين وفقهائهم في الدين السالكين سبيل المهتدين من أهل الاستقامة، ولا ممن أدركنا منهم الدين هم حجة الله في خلقه على الخاصة والعامة، عزل من ذكرت من هؤلاء ولا أمر بعزلهم خوفا على الصحيح من تولد ذلك الداء، ونحن لهم في ذلك تبع ولا نذر ما أخذناه عنهم ف ذلك وغيره من الحق وندع، بل أمروا بعزل من له علّة الجذام لروايات متأكدة تروى عن خير الأنام ومصباح الظلام محمد عليه أفضل الصلاة و السلام ، إذ قيل فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم في أهل الجذام: فرّ من المجذوم فرارك من الأسد الضرغام، وقيل عنه فيما يروى فيهم، أسكنوهم تحت مهابِّ الرياح وأطعموهم بأطراف الرماح، فهذا ما نحن عليه والله نسأله الإعانة والتوفيق لما يقرِّبنا إليه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على رسوله البشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم. وليزدد السائل من سؤال المسلمين ولا تأخذ ما كتبته له في هذه الورقة إلا بالحق منه وأنا أستغفر الله من مخالفة الحق. كتبه الخادم الفقير لله تعالى ناصر بن خميس بن علي بن سعيد بيده ضحى السبت لستّ ليال بقين من شهر شعبان من شهور سنة تسع سنين ومائة سنة وألف سنة من الهجرة× (صفحة: 249/ 250 من المخطوط).
ويستمر الشيخ في عرض مسائل هذا الباب وغيره من أبواب الكتاب في أسلوب شيق وممتع وبصياغة محكمة، تجعل المتأمل يستمتع يستفيد من هذه المعلومات القيمة، فرحم الله تعالى من كان سببا لحفظ هذه الكنوز والعلوم، والله الموفق للصواب والهادي إلى سواء السبيل.

ادريس بابا باحامد