اعداد احمد بن سعيد الجرداني:
المفتي العام للسلطنة
المرأة المسلمة لها أثر كبير في إعداد الجيل المؤمن الذي يحمل رسالة القرآن إذ لأنها المدرسة الأولى و الأم الحاضنة التي تغذي الطفل بحنانها
ـ هداية القلوب مرهونة باتباع القرآن الكريم وحرص الإنسان على كرامته إذ بدون اتباع هذا المنهج القرآني لا كرامة له
ـ التكيف وفق تعاليم هذا القرآن مطلب يطالب به كل مسلم

الحمد لله الذي وفقنا ببلوغ شهر رمضان الفضيل ، ومنّ علينا الصيام وسائر القربات ، لذا ونحن نتفيأ ظلاله المباركة كانت لنا هذا الجولة في سبيل تنقيب اغوار المعرفة حول بعض ما قاله اهل العلم من مواعظ وخطب ومحاضرات ودروس ، لتكون لنا زادا نتزود به . فمع ما قاله سماحة الشيخ العلامة احمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في احدى محاضراته والتي من الجدير بنا نشرها عبر هذا المنبر وهي من الدرر التي القاها في أعوام مضت .. فمع المادة

عناية المؤمنين والمؤمنات بكتاب الله
قال سماحة الشيخ : إن من يمن الطالع أن تتجه عناية المؤمنين والمؤمنات إلى كتاب الله الذي هو مصدر كل هداية ومنبع كل فضيلة ، وأساس كل خير ، أنزله الله تبارك وتعالى على فترة من الرسل إلى نبيه – صلى الله عليه وسلم – بعدما انقطع الوحي واستبد الظلام في العقول وسيطرت الأوهام على الأفكار وهام الإنسان في هذه الحياة إذ أصبحت الحياة بأسرها تهزم عقله فالإنسان لا يدري من أين خرج وإلى أين ينتهي ، وماذا عليه أين يعمل فيما بين المبدأ والمنتهى ، حتى نزل هذا الكتاب الكريم على النبي الأمين – صلوات الله وسلامه عليه – فكان هو الحل الذي شاء الله - سبحانه وتعالى – أن يكشف لغز هذه الحياة فعرف الإنسان من أين جاء وإلى أين ينتهي وماذا عليه أن يعمل فيما بين المبدأ والمنتهى .

وقد وصفه الله – سبحانه وتعالى – بقوله " هدى للمتقين " وقوله " هدى للناس " وقوله " هدى ورحمة للمحسنين " وقوله " هدى وبشرى للمؤمنين " وقوله " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا " وقوله " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " فكانت تلكم النقلة العظيمة التي انتقلها الإنسان من الضلال إلى الهدى ، ومن الحيرة إلى البصيرة ، ومن الظلمات إلى النور ، ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن التشتت إلى الاجتماع ، ومن الانقطاع إلى الاتصال ، واتصل هذا الإنسان بالعالم كله ، اتصل بعالم الغيب من خلال هذا القرآن ، واتضحت عنده الحياة مسيرها ومصيرها ، فكان العمل في نظره موصولا بجزائه ، وقت كانت الدنيا موصولة بالآخرة ، وهكذا فلذلك حصل ما حصل من الانتقال العظيم الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يكرم به هذا الإنسان فكانت دورة تأريخية لم يعرف التأريخ البشري لها مثيلا .
المرأة المسلمة هي متعبدة بهذا الكتاب العزيز
وحول دور المرأة لكتاب الله قال سماحة الشيخ : ولا ريب أن المرأة المسلمة هي متعبدة بهذا الكتاب العزيز كما تعبد به الرجل ، فإن الله – سبحانه وتعالى – خاطب به المؤمنين والمؤمنات جميعا ، إذ الله - سبحانه وتعالى - يقول : "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " الأحزاب (35) ، فالتكيف وفق تعاليم هذا القرآن مطلب يطالب به كل مسلم " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا " الأحزاب (36) .

نعم إن هداية هذه القلوب مرهونة باتباع القرآن الكريم ، وحرص الإنسان على كرامته إنما هو مرهون باتباع القرآن الكريم ، إذ الإنسان بدون اتباع هذا المنهج القرآني لا كرامة له ، إذ الإنسان يعيش بدون هذا المنهج القرآني عيشة هي شر من عيشة الحيوان الأعجم ، لأن الحيوان الأعجم يسير في حياة وفق نواميس معينة ، وفطرة متبعة لا يحيد عنها ، بينما الإنسان يشذ شذوذا عجيبا إن لم يرتبط بالقرآن الكريم ، فإن الله – سبحانه وتعالى – جعل الارتباط بالقرآن الكريم ربطا ما بين حركة الإنسان الاختيارية وحركته الاضطرارية ، كما جعل في ذلك أيضا تنسيقا ومواءمة بين حركة الإنسان في هذه الحياة وبين حركة هذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف .

ومن المعلوم أن المرأة المسلمة في العصور السحيقة الغابرة كان لها أثر كبير في إعداد الجيل المؤمن ، الجيل الذي يحمل رسالة القرآن ، إذ المرأة هي المدرسة الأولى ؛ لأنها الأم الحاضنة التي تغذي الطفل بحنانها ، وتربيه برعاتها ، وتوجهه ببصيرتها ، فعندما تكون هذه المرأة متشبعة بروح القرآن الكريم – كتاب الله سبحانه وتعالى – ينشأ هذا الطفل على الاستقامة ، وبالتالي يرتبط المجتمع كله بالقرآن الكريم ؛ لأن أساسه وهي الأم الصالحة إنما ربته على هذا الكتاب العزيز .

دور المرأة في التأريخ الإنساني كله
وحول دور المرأة في التاريخ قال سماحة الشيخ مفتي عام السلطنة ونحن لا ننسى دور المرأة في التأريخ الإنساني كله ، إذ المرأة بقدر ما تكون عليه من الصلاح والاستقامة والرشد يكون المجتمع مجتمعا صالحا ، وبقدر ما تنخرط في الفساد ، وتبعد عن الحق ، وتهيم في أودية الفساد يكون المجتمع أيضا مجتمعا زايغا ، مجتمعا بعيدا عن الحق واتباعه ، فمن الضرورة إذن أن تستمسك المرأة بهذا الحبل المتين ، وتتبع هذا النور المبين ، وتنهج هذا الصراط المستقيم ، ونحن نرى في غبر العصور كيف أن المرأة عندما كان ينزل القرآن من أجل هدايتها ، ومن أجل تبصيرها بدينها ، ومن أجل إخراجها من الظلمات إلى النور ، ومن الباطل إلى الحق ، كانت تسارع في اتباع أمر الله ، وضربت بذلك أروع الأمثال ، كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله تعالى عنها – في نساء الأنصار ، بأن نساء الأنصار كن أسرع في اتباع الأوامر عندما أنزل الله – سبحانه وتعالى – في كتابه في سورة النور ما أنزل ، انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله – تبارك وتعالى – في كتابه فقمن إلى مروطهن فشققنهن واعتجرن بها ، وأصبحن وراء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – معتجرات([1]) كأن على رؤوسهن الغربان .

تلكم النقلة التي حصلت للمرأة إنما بسبب تأثرها بهداية القرآن ، ونحن ندرك تمام الإدراك أن المرأة المسلمة في العصر الحاضر بإيمانها وباستمساكها بكتاب الله - سبحانه وتعالى - ، وباتباعها لهذا النور ، وبسلوكها لهذا النور تعيد للحاضر ذلك الماضي العريق ، هي بهذا تنهج ذلك النهج رغم التحديات المعاصرة ورغم الإغراءات الكثيرة ، ورغم التشويش الكثير من الإعلام العالمي الهائل الذي يريد أن يحل المرأة ، وأن يخرج بها عن سواء الصراط ، ولكن مع ذلك تظل المرأة المؤمنة صامدة صابرة تواجه كل المشكلات بتحدي الإيمان ، واقفة عند حدود الله ، مستمسكة بحبله ، متبعة لنوره ، تربي أولادها على الاستقامة ، وتنشئهم على الطاعة ، وترغبهم في الخير ، وتربطهم بالقرآن .

المصدر موقع القبس الالكتروني للشيخ عبدالله القنوبي