[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
أيًّا كانت نتائج المفاوضات بين الحكومة اليونانية والدول الدائنة فإن طبيعة ما جرى وما يجري في هذا الشأن يشير بصورة أو بأخرى إلى حالة من التوجس والشكوك، بل والامتعاض على مستوى مواقف الطرفين، أعني مجموعة دول الاتحاد الأوروبي في الامتثال لمطالب اليونانيين، أو في الشد على ضرورة أن تفي أثينا بالتعهدات التي قطعتها لإعادة تدوير اقتصادها والمضي في تسديد قائمة الديون المترتبة عليها بموجب الدفعات المالية المقدمة من الدول الدائنة التي كان هدفها الحيلولة دون وقوع اليونان تحت طائلة الإفلاس.
لقد أربك الاقتصاد اليوناني بعثراته السائدة حالة الاتحاد الأوروبي مع أنه بحاجة ماسة الآن إلى عناوين تروج إلى قوته وتماسكه وإمكاناته المتوفرة لمواجهة التحديات القائمة، وهي تحديات ليست قليلة بالنسبة لمواجهة تفاقم البطالة والكساد النسبي في فرص التسويق، في حين أن الانكماش يحكم اقتصادات كانت إلى وقت قريب تدعي أنها تملك رصيدًا لمواجهة احتمالات من هذا النوع، مما جعل المديونية اليونانية عبئًا على منطقة اليورو التي هي تعاني أصلًا اختلالات اقتصادية واضحة نتيجة النمو المتواضع لاقتصاد العالم عمومًا، الوضع الذي يؤثر سلبًا على تلك الاقتصادات، وكذلك نتيجة تذبذب مواقف الشريك الأميركي وتنصله الواضح عن المساهمة بأي عون لمعالجة الاختلالات المذكورة.
كما أن الموقف البريطاني العام من وجوده ضمن الاتحاد الأوروبي قد دخل مرحلة خطر التنفيذ بعد أن تجاوز مرحلة النوايا، وما ترتب على ذلك من مؤشرات انسحاب تجعل من العبء اليوناني مصدرًا لمخاوف إضافية في تفكك هذه المجموعة على الرغم من أنها مجموعة فتية لم تبلغ سن الرشد الكامل.
وحسابًا على ذلك أيضًا، إن المديونية اليونانية لا بدّ أن تترك الكثير من الآثار والندب الاقتصادية المرضية حتى وإن استطاعت اليونان استعادة أنفاسها وسددت ما عليها من ديون، وذلك لعدد من الأسباب بينها أن قائمة الضغوط على الأوروبيين في ازدياد بفعل أن عددًا من دولها تعاني أصلًا أزمات اقتصادية واضحة مثل إيطاليا وإسبانيا وبهامش أصغر فرنسا.
ولعل ما يزيد المخاوف السياسية والأمنية أوروبيًّا أن كل الأزمات التي تأكل من الجرف الأوروبي ما زالت قائمة ولم تخمد نيرانها، منها أزمة العلاقة مع روسيا وحالة القلق التي ركبت الأوروبيين جراء التصعيد الروسي في الترسانة الصاروخية النووية التي تملكها موسكو، وكذلك بفعل الأزمة الأوكرانية والفشل الواضح في سياستها إزاء الملف السوري، يضاف إلى ذلك أن أوروبا التي راهنت سابقًا على أن تكون شريكًا شرسًا في تقاسم مناطق النفوذ التجاري مع الصين قد خسرت هذا الرهان منذ وقت طويل، وهي الآن في الخط الثالث إن لم نقل الرابع بعد الولايات المتحدة الأميركية ودول البريكس في المنافسة التجارية العالمية.
أخيرًا إذا كان الأوروبيون ما زالوا يأملون على أنهم يستطيعون معالجة أزمتهم المالية، إلا أن طاقم أسنانهم قد انخلع في أكثر من موقع حتى وإن حصلوا على بعض الصفقات التجارية من بيع الأسلحة أو إعلان الوحدة في مواجهة مد الهجرة لديهم، أو أعاد البنك المركزي الأوروبي ترتيب أوراقه النقدية.
لقد احتلت الشيخوخة صدارة المشهد الأوروبي بجدارة هذه المرة، ولن تكون هناك فرصة حقيقية لترميم الوضع، إلا إذا انتصر الرأي الداعي إلى تقليل هامش الرفاه للأغلبية العظمى من الأوروبيين وتلك مسألة على درجة من الصعوبة؛ لأنها ستدفع ملايين الأوروبيين إلى تغيير قناعاتهم بالنخب التي تحكمهم الآن، وإلا أيضًا استطاعت دول اليورو أن تضمن منافسة شريفة في السوق العالمية، وهذا لا يمكن له أن يحصل بأي حال من الأحوال أمام تصدر ظاهرة النقص الاقتصادي العام وتفاقم مشاكل البيئة، ولذلك من المنتظر أن تتجه السياسة الاقتصادية الأوروبية إلى بعض المهادنة وتتخلى عن توجهاتها في اعتماد مفهوم الدفاع الحيوي القائم على استمرار الهجمات في تصدر المشهد الاقتصادي.