[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
لأول مرة يشاهد المصريون رئيسا لهم وهو يرتدي بدلة الإعدام الحمراء ويقف أمام شعبه في قفص الاتهام .. حدث ذلك يوم الأحد الماضي حين وقف الرئيس المعزول محمد مرسي العياط في قفص الاتهام مرتديا البدلة الحمراء يحاكم في قضية التخابر وتسريب وثائق ومستندات صادرة من أجهزة الدولة السيادية تتعلق بأمن مصر القومي وقواتها المسلحة، وذلك بعد صدور حكم بإعدامه وعدد من قيادات جماعة الإخوان في قضية اقتحام السجون والهروب منها وخطف وقتل الجنود والضباط .. والحقيقة أنه ليس لون "بدلة" السجن التي يرتديها قيادات الإخوان هي فقط التي تغيرت من الأزرق إلى الأحمر بعد صدور أحكام الإعدام وإنما كان التغير أكبر وأعمق لدى الإخوان حيث شمل الروح المعنوية لقادتهم وكوادرهم.
إن صدور أحكام الإعدام التي طالت تسعة من قادة جماعة الإخوان في قضيتي اقتحام السجون والتخابر أصاب هذه الجماعة معنويا، فضلا عن أن تلك الجماعة باتت تتلقى الصفعات وتشهد انحسارا وتخسر أنصارا ودعما خارجيا وداخليا، وبالتالي فإن محاولة قادتها الظهور متماسكين أمام كاميرات التصوير لا تخدع أحدا، فهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها أحكام إعدام بحق كل هذا العدد من قادة الجماعة بمن فيهم مرشد هذه الجماعة ونائبه اللذان كانا يسيطران على أمور الجماعة ويتحكمان فيها، ويحدث كل ذلك في وقت تعرضت فيه جماعة الإخوان لأكبر زلزال في تاريخها هز كيانها، وبالتالي فإن أحكام الإعدام من شأنها أن تثير في نفوس أعضائها اليأس والإحباط خاصة وأن سقوط هذه الجماعة كان شديد الوطأة عليهم لأنهم ذاقوا حلاوة طعم الحكم لمدة عام واحد فقط وهم الذين ظلوا يعملون له بدأب وإصرار على مدى أكثر من 80 عاما.
ويمكن القول إن جماعة الإخوان خسرت ما راهنت عليه داخليا وخارجيا بعد صدور أحكام الإعدام بحق قادتها حيث أخفقت الجماعة في حشد تجمعات تخرج لتندد بتلك الأحكام، كما أخفقت أيضا في الحصول على تعاطف دولي مناسب ومستمر باستثناء بعض التصريحات الأميركية والغربية التي صدرت رافضة لأحكام الإعدام، إلا أنها لم تقترن بأي تغير في سياسات هذه الدول بل إن دولة مثل فرنسا رفضت حتى مجرد التعليق على هذه الأحكام واعتبرتها شأنا مصريا داخليا .. وبالتالي فإن ما حدث يمثل صدمة حادة لهذا الكيان التنظيمي للإخوان هذا الكيان السري الذي ظل يحتفظ به الإخوان منذ أن أسس حسن البنا جماعتهم يتكون من بشر وليس مجرد آلات لا تشعر بما يحدث لها .. وهذا يعود بنا إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي حين فقد حسن البنا السيطرة على هذا التنظيم السري الذي أشرف بنفسه على تشكيله عندما تمرد رجال الجهاز الخاص الذي أقامه لكي يقوم بعمليات التفجيرات والاغتيالات عليه، ورفضوا الانصياع لأوامره، بل وقاموا بتوجيه التهديدات له عندما وصفهم بأنهم ليسوا إخوانا ولبسوا مسلمين.
لقد جاءت أحكام الإعدام في قضيتي التخابر واقتحام السجون لتزيد من جراح الإخوان وتوسع من التصدعات في كيانهم التنظيمي داخل الجماعة وتحديدا في مستوياتهم القيادية، فنجد قيادات الصف الثاني تحمل قيادات الصف الأول مسؤولية فشل الجماعة وما وصل إليه حال جماعة الإخوان الآن بدءا من الإطاحة بهم من الحكم حتى صاروا إما سجناء أو مطاردين أمنيا أو منبوذين شعبيا، ولذلك يرى عدد من المراقبين أن جماعة الإخوان يمكن أن تسلك طرقا مختلفة فمنهم من سينخرط في ممارسة المزيد من العنف على خلفية أنه ليس لديهم ما يخسرونه خاصة وأن قادتهم المحكوم عليهم بالإعدام سوف يحرضون أتباعهم على مزيد من العنف .. بينما هناك من سيدفعهم اليأس للبعد عن الجماعة ولو سرا وبدون إعلان لكي ينأوا بأنفسهم عن الخطر الجسيم.
إذن نحن أمام طريقين سوف يسلكهما أعضاء التنظيم السري لجماعة الإخوان مستقبلا بعد أحكام الإعدام الأخيرة التي صدرت ضد العديد من قادتهم .. وعلى الدولة المصرية أن تكون مستعدة لاحتضان من سيهجر هذه الجماعة وتأهيله نفسيا واجتماعيا إلى أن يعود مواطنا صالحا بعد أن كان انتماؤه للجماعة يسبق انتماءه لوطنه .. أما الذين سيستمرون في ممارسة العنف سيتم مواجهتهم أمنيا ومجتمعيا حتى تتخلص الدولة المصرية من كل شرور هذه الجماعة.