[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” إنني كمتابع أكاديمي للأحداث المتسارعة منذ نصف قرن أشم ريح صدام مبرمج جديد بين الإسلام والغرب تؤجج لهيبه لوبيات معادية للمسلمين وتطالب بإعادة الاستعمار بشكل مختلف ووضع الأيدي المتاجرة على ثروات الشرق ومقدراته حتى لو راهنت على الفوضى لا الخلاقة بل الهدامة وزرع بذور الطائفية والشعوبية في المجتمعات التي كانت أمنة مطمئنة...”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقضي هذه الأيام الرمضانية إجازتي في الريف الفرنسي في بيتي وأعيش ككل الناس تحت وطأة الأحداث الفرنسية وهي تشير الى تصدع خطير في التحالف الغربي حيث اكتشفت الحكومة الفرنسية من خلال ويكيليكس أن وكالة الأمن القومي الأميركي تتنصت على الرئيس الفرنسي هولند وعلى رئيسين قبله شيراك وساركوزي فحلت حالة من انعدام الثقة في الحليف الكبير ونددت حكومة باريس بهذا العمل المشين كما أني تابعت حكما صادرا من قبل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ضد الدولة الفرنسية يدين ممارسات الشرطة الفرنسية ضد مواطنيها ومقيميها الذين لهم وجوه مغاربية أو إفريقية لمجرد لون بشرتهم المختلف وهو قرار محكمة يؤشر إلى العنف الإجتماعي الذي استقر في الحياة اليومية الفرنسية كما أني ألاحق الأحداث العالمية و الإقليمية لكن من منظور فرنسي وأوروبي فأتفاعل مع وسائل الاتصال و أطالع الصحف و أشاهد الفضائيات و اكتشف أن صداما قادما بين الغرب والإسلام تمهد له بأجندات رهيبة فلول ولوبيات يمينية وصهيونية وهي التي توظف بعض عمليات إرهابية على خلفية دينية لتدفع الطبقة السياسية الباريسية الى استغلال معضلة الهجرة السرية من الجنوب للشمال لتحولها إلى ملف سياسي بل سياسوي لكل الأحزاب الأوروبية في مرحلة الانتخابات الراهنة و بالطبع فإن السبب الرئيس هو استراتيجية الأحزاب التقليدية لقطع الطريق أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة والتي رفعت منذ نصف قرن شعارات وقف الهجرة وحسب تعبيرها "تطهير المجتمعات الأوروبية المسيحية من المسلمين" فالاسلام الذي هو الديانة الثانية عددا في أوروبا بعد المسيحية يعتبر في المخيال الشعبي البسيط هنا في بلدان الإتحاد الأوروبي دخيلا بل وغازيا لأن التاريخ العسير والمعقد في العلاقات بين أوروبا و العالم الإسلامي ترك في وجدان هذه الأمة المسيحية أثارا من الأوهام والأساطير استغلها الصليبيون الجدد للتلاعب بعقول الجماهير المحدودة المعرفة وأوهموها أن القارة الأوروبية مهددة بالغزو الإسلامي. وبالطبع فإن ما حدث من هزات و زلازل في العالم العربي غربه و شرقه لم يكن بريئا وبعيدا عن الأزمة لأن تفاقم المشاكل العويصة في أغلب المجتمعات العربية على مدى نصف قرن مهد لهذه الهزات العنيفة التي سماها بعضنا بالربيع والبعض الأخر بالفوضى حين اهتزت توازنات جائرة وانقلبت صفحات قديمة وتحطمت أصنام عقيمة لتحل محلها مبدئيا فوضى عارمة حين لم تعد لدينا مؤسسات دولة ولم يمسك بالقياد زعماء خبروا السلطة وتنزهوا عن سفاسف الحزبيات والتجاذبات ليقيموا دول الحق والعدل وهو ما لم يحدث لأسباب معروفة أولها أن الثورات عادة لا تكتمل فتظل نهبا للثورات المضادة وحركات الردة و هذه حقيقة منذ الأزل و لم تشذ عنها هزات الربيع العربي وثانيها أن النخب التي أسهمت في التغيير ودفعت ثمنه غاليا بالسجون والمنافي والاستشهاد لم تكن مهيأة لممارسة السلطة فحل العجز محل الإستبداد. واستغل اليمين المسيحي في الغرب هذه الهنات ليعلن أن الإسلام هو رديف الإرهاب وصنو العنف وأن الهجرة السرية وحتى الجاليات المسلمة في أوروبا ماهي سوى حصان طروادة لغزو القارة الأوروبية وأسلمتها مع مرور الزمن! حتى أن روائيا فرنسيا مشهورا اسمه (هوالباك) نشر رواية بعنوان (خضوع) موضوعها الخيالي هو وصول الإسلاميين لحكم باريس ذات يوم وإعلان فرنسا ولاية تابعة للخلافة !!! ولكن الملف الراهن محل الجدل القائم هو ملف قوارب الموت التي تبحر من السواحل الجنوبية و بخاصة الليبية لتحمل مجموعات من الشباب العربي والإفريقي اليائس البائس نحو الجنة الأوروبية الموعودة وبالفعل وصلت سنة 2014 الى أوروبا عشرات الآلاف من هؤلاء المعذبين في الأرض وهلك في قاع البحر عدد يقدر بالف ومائتين عدا المفقودين الذين لم يعثر لهم على أثر و يقال أن أغلبهم رحل الى الموصل عاصمة الخلافة عبر ممرات تقليدية تبدأ من طرابلس الغرب وتنتهي الى الحدود التركية السورية والله أعلم. ثم إن المقاربة الأوروبية للملف تبدو سطحية وسياسوية ليس فيها تحليل صادق وعميق لطبيعة الأزمة ولا لمنطق العلاقات الدولية بين الشمال والجنوب لأن أول رد فعل قامت به أوروبا في اجتماع يوم السبت الماضي في بروكسل هو الإتفاق على تشكيل قوة عسكرية تتركب من حاملة طائرات وما يتبعها من بواخر حربية وحددت لهذه القوة أهدافا ضبابية هلامية لم يفهمها حتى رؤساء الأركان الأوروبيون فهل هي قوة لدك موانئ إنطلاق المراكب المحملة بالبشر المهاجر أم هي قوة لإعادة إحتلال الموانئ الليبية والصومالية و كيف سيكون ذلك متاحا بينما الغرب لم يعد الغرب القديم المتحمس لفرض الإستعمار الجديد لأن الرأي العام هنا في أوروبا والغرب عموما لم يعد يسمح باستقبال المطارات الغربية لنعوش القتلى من جنوده بلا شرف و لا سبب معقول! بقي إذن للسياسيين الأوروبيين استعمال بعبع تخويف المهربين سماسرة البشر على السواحل الجنوبية للمتوسط حتى يرتدعوا و لكن هيهات فالفوضى الشاملة التي عمت الشرق الأوسط بالصراعات الطائفية و المصلحية والايديولوجية لم تعد تسمح ببسط القانون ولا الأمن ولا بحماية أحد من أحد و فرنسا سيدة العارفين لأنها جربت الدخول إلى المستنقع الليبي لأسباب داخلية و دفعت الثمن غاليا و وصل الإرهاب إلى قلب باريس مع عملية شارلي هبدو. المعضلة اليوم أصبحت أيضا أوروبية أوروبية أي بين البلدان المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط وبخاصة إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبين البلدان الأوروبية الأخرى المقصودة من قبل المهاجرين السريين مثل ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وسويسرا والبلدان السكاندينافية فحكومة روما تقول إن إيطاليا هي المرمى الأول وسواحلها قريبة من إفريقيا ومن الشرق الأوسط وبلوغها أيسر لمراكب الموت حيث يصل الى جزيرة بانتيليريا وجزيرة لمبادوزا حوالي مائة الف مهاجر سنويا بالنظر الى المسافة القصيرة بين هذه الجزر الإيطالية وسواحل ليبيا وتونس(حوالي 70 كلم) يقطعها المهربون في بضع ساعات!! وتطالب روما أن يتقاسم الأوروبيون جميعا تكاليف الإنقاذ والتجميع والمراقبة والإقامة المؤقتة لهذا السيل الجارف من الهاربين من جحيم الحروب الأهلية والفقر والجوع.
إنني كمتابع أكاديمي للأحداث المتسارعة منذ نصف قرن أشم ريح صدام مبرمج جديد بين الإسلام والغرب تؤجج لهيبه لوبيات معادية للمسلمين وتطالب بإعادة الإستعمار بشكل مختلف ووضع الأيدي المتاجرة على ثروات الشرق ومقدراته حتى لو راهنت على الفوضى لا الخلاقة بل الهدامة وزرع بذور الطائفية والشعوبية في المجتمعات التي كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله وهي الحكمة التي أرجو ألا تنطبق على عرب اليوم التائهين.
وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) سورة النحل.صدق الله العظيم.