لقد أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن الجاهلين وهو لا ريب أمر لنا جميعًا نحن المسلمين، فالإعراض عن الجاهلين من آداب الإسلام وخلق القرآن، ومن صفات المؤمنين المفلحين، ومن شيم عباد الرحمن يقول الله تعالى في شأن المؤمنين المفلحين: { قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون} سورة المؤمنون الآيات"1-3"، ويقول في شأن عباد الرحمن: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} سورة الفرقان الآية"63"، وقال عنهم أيضًا: { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كرامًا} سورة الفرقان الآية"72".
وتحذيرًا من الجهل يقتضي شيئًا من التفصيل؛ فالجهل أعدى أعداء الإنسان، هو داء عضال، ومرض فتاك، فهو أفة الآفات؛ لذا يقول أحد الحكماء: الجهل أبو الشرور، والجهالة أمها.
والجهل والظلم متلازمان فإذا وجد أحدهما وجد الآخر، فالظلم نتاج الجهل، والجهل أساس الظلم. فهما وجهان لحقيقة واحدة هي الخسران والهلاك للإنسان، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ سورة الأحزاب الآية"72".
ينقسم الجهل إلى قسمين أساسين: جهل بسيط، وجهل مركب؛ فالجهل البسيط هو عدم العلم بالشيء إطلاقًا، وهذا ينتفي بالعلم والمعرفة، ووسيلته الاستماع والسؤال والقراءة والبحث، أما الجهل المركب فهو اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. وهذا هو المشكل والمدمر، والجهل المركب أنواع كثيرة، وأنماط عديدة، وأشكال متنوعة. وإن أكبر أنواع الجهل المركب المجادلة في الله تعالى، وعدم تقديره حق قدره، والظن به ظن السوء، يقول تعالى عن هؤلاء { ومن الناس من يجادل في بغير علم ويتبع كل شيطان مريد} سورة الحج الآية"3"، ويقول تعالى: { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} سورة الحج الآية"8"، ويقول تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمنيه سبحانه وتعالى عما يشركون} سورة الزمر الآية"67"، ويقول تعالى: { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كلَه لله} سورة آل عمران الآية"154".
ومن أنواع الجهل التقول على الله بغير علم { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} سورة الإسراء الآية"36"، ويقول تعالى: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين* إنما يأمر بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون} سورة البقرة الآيتان"168-169".
ومن أنواع الجهل أن يقول الإنسان ما لا يفعل، يقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبرت مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} سورة الصف الآيتان"2-3"، ومن أنواع الجهل أمر الغير بالبر والخير ونسيان النفس، يقول الله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} سورة البقرة الآية"44"، ومن أنواع الجهل المركب خلط الحق بالباطل وإخفاء الحق وكتمه، يقول الله تعالى: { ولا تَلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} سورة البقرة الآية"42".
ومن أنواع الجهل احتقار الناس وسوء الظن بهم وعدم الثبت مما يُقال وُينقل، وشهادة الزور التي تحول الظالم مظلومًا، والمظلوم ظالمًا، وتحول المذنب بريئًا والبريء مذنبًا، يقول الله تعالى: { واجتنبوا قوم الزور} سورة الحج الآية"30"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور"، ويقول الله { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} سورة الحجرات الآية"6"، ويقول تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلزموا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} سورة الحجرات الآية"11"، ومن أنواع الجهل الغرور { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} سورة الانفطار الآية"6"، ومن أنواع الجهل الاستهزاء بالله وآياته ورسوله يقول تعالى: { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا} سورة النساء الآية"140"، ويقول تعالى في شأن المنافقين: { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} سورة التوبة الآيتان"65-66".

يوسف أبراهيم السرحنى