تقول إحدى الأمهات كم كانت فرحتي كبيرة وأنا ذاهبة بصحبة ابنتي إلى مدرستها فهي في الصف الأول ، تجربة جديدة تخوضها وأحببت أن أبقى قريبة منها في أول يوم لها في المدرسة ، انقضت نصف الساعة وما أزال في فصل إبنتي لكن إلى متى ؟ هناك من ينتظرني في المنزل أشغال كثيرة لا تنتهي كنس وغسل الأواني والملابس .
إستطعت أن أنسحب من الفصل وبالطبع تاركة إبنتي خلفي وهي تبكي ، مر شهر على بدأ السنة الدراسية الجديدة ، هناك عدة مشاهد رأيتها بأم عيني أول هذه المشاهدوفي ذات مساء كنت أتابع التلفاز شاهدت خبرا لأطفال لم تتعد أعمارهم العاشرة يقطعون إحدى الأنهار الهائجة رافعين يدا واحدة إلى الأعلى تحمل أغلى ما يملكون حقيبة تحوي كتبا وقلما وممحاة ومبراة ، ذلك النهر الجارف يكاد يسقطهم ويقذف بهم بعيدا ، وأخيرا وصلوا إلى الضفة الأخرى وجاء في الخبر بأن النهر في موسم الأمطار يصبح أكثر قوة وهيجانا ويكون منسوب الماء مرتفعا ، مما يضاعف خطر غرق هذه الأجساد النحيلة .
كيف لي أن أصف المشاعر التي إنتابتني وأنا أرى مشهد هؤلاء الأطفال ؟ ما هذا العشق للكتاب وللعلم ؟ وكيف لهؤلاء الآباء والأمهات أن يتركوا أبنائهم عرضة للخطر ؟ هل العلم يستحق هذه المخاطرة بالنفس؟ نحن لا نملك الجواب عن هذا السؤال ؟ الجواب عند هؤلاء الأطفال وليتنا نسمع الجواب منهم هناك في أندونيسيا ، فلا وجود للحافلات التي تقل الطلبة للمدارس ولا للتعليم المجاني ، هناك المدرسة في شوق لهؤلاء الصغار لتحتضنهم كيف لا؟وهم من خاطروا بأرواحهم للوصول إليها ، إنهم أطفال يرسمون لنا مثالا يحتذى به لحب العلم وبذل أغلى ما يملكون لتحصيله ، أما المشهد الثاني فهو من تلك البقعه التي ذكرها الله في كتابه في حادثة الإسراء والمعراج إنها فلسطين وما أدراك عنها ؟ .ورغم الإحتلال وحياة الذل والقمع والقتل لا بد للحياة أن تستمر فهذا طفل آخر سطر أروع مثال للقدوة لكل طالب علم فهو يستيقظ كل صباح بهمة ونشاط ليقطع دربه الطويلة مشيا على أقدامه قرابة ثلاثة كيلو مترات لا يهاب العدو المتربص به ، شاهدته يمشي شوقه يسبقه لمدرسته وأساتذته قطع مسافة طويله ، أنهكه التعب فجلس فوق صخرة وأخرج زجاجة الماء وشرب منها ، كل يوم بلا كلل أو كسل يحمل حقيبته على ظهره رغم الأخطار المحدقة به من الغاصب المحتل لكن أنى له أن يحط من عزيمة هذا الطفل لطلب العلم .
ـ جاء في الحديث الشريف ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) ، و هذا الطفل طبق هذا الحديث فقطعه لهذه الطريق الطويلة كل يوم لهو أكبر شاهد على حبه للعلم ،وهو كذلك شكل من أشكال الكفاح والنضال ضد العدو الغاشم الحاقد ، الذي يمارس شتى أنواع الإذلال لشعب ما زال يقاوم بالسلاح وبغيره عدوا إحتل أرضه ونهب ثرواته منذ أكثر من ستين عاما ، فلك أيها الطفل منا كل التقدير والإعجاب ، آخر هذه المشاهد هي عبارة عن صورة وصلتني عن طريق السيد واتس أب أحسست بقشعريرة عند رؤيتي لها إمرأة وإبنتها يعيشان في قطعة كبيرة جدا من أنبوب حديدي على قارعة الطريق ، فقر مدقع فليس عندها بيت يأويهما من لهيب الحر وقسوة البرد ، رأيتها تجهز إبنتها للذهاب إلى المدرسة ، قلت في نفسي ماذا تملك من مال لتدفع مصاريف الدراسة؟ .
هي الأم التي غرست في نفس إبنتها مبدأ العلم للجميع فلا فضل للغني على الفقير وأن عليها أن تجتهد في دراستها بلا تكاسل ، وأما هي فعليها أن توفر المال الذي بكل ما أوتيت من جهد وطاقة لتوفر المال الذي به يستطيعان أن يعيشا وأن تكمل دراستها .
أي كفاح هذا ؟ تقول هذه الأم مرت عدة أشهر بدأ الكسل يتسلل إلى حياة إبنتي فأصبحت لا ترغب في الذهاب إلى المدرسة فكل صباح أصيح بها وأصرخ لتستيقظ من نومها ولكن لا حياة لمن تنادي كانت ترفض فراق وسادتها وسريرها ، أمامها درب طويلة عليها أن تقطعها فهي لا زالت تخطو أول خطوة. تتابع الأم حديثها تقول ذات مره كنت أتمعن في صورة هذه المرأة وإبنتها جاءت إبنتي وسألتني : ماذا يوجد في هاتفك يا أمي ؟ ما هذه الصورة ؟
أجبتها :عزيزتي إنها إمرأة فقيرة وبجانبها إبنتها تتحضر للذهاب إلى المدرسة لا تملك منزل مثلنا لا توجد حافلات تقل الفتاة إلى المدرسة ، تنام هي وأمها في هذا الأنبوب في الحر الشديد لكن بالرغم من هذا فهي تحب الدراسة كثيرا ، وأمها تكد وتتعب لتوفر المال لكي تتعلم إبنتها ، ونحن نعيش في منزل جميل ، ولا نشعر أبدا بالحر فأجهزة التكييف تحوي كل الغرف .
وكل يوم تأتي الحافلة تقلك إلى المدرسة ، حبيبتي عليك أن تشكري الله على هذه النعمه فهناك أطفال كثيرون لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة مثلك .
كان تأثير هذه المحاضرة مؤقت فلم يتغير الحال ، دائما ما أسأل نفسي ما هو السبب في هذه المعاناة اليومية ؟ كل وسائل الراحة والترف متوفرة ولكن أين يكمن الخلل؟
لكل أم تقرأ مقالي أوجه هذه الأسئلة فربما لديكن الجواب .

عزة بنت محمد الطوقية