اخي القارئ الكريم تزخر عمان بل والعالم الإسلامي بعلماء ومفكرين لهم باع طويل في نشر العلم والمعرفة من خلال مؤلفاتهم ، لذا نقدم للقارئ في هذا اليوم كتاب
مجموعٌ أدبيٌّ، مؤلِّفه مبارك بن سعيد بن بدر بن محمد الشكيلي الغافري، وال فقيه، وشاعر، عاش في آخر القرن الحادي عشر ، والقرن الثاني عشر الهجري؛ من بلدة سني من أعمال الرستاق .
تولى للإمام سلطان بن سيف بن سلطان على جلفار، كما تولى للإمام محمد بن ناصر الغافري على جبرين ومقنيات، وتولى قيادة بعض جيوشه.
من آثاره العلمية: صراط الهداية، وعددٌ من القصائد. توفي بعد سنة 1150هـ/1737م.
يشتمل الكتاب على فنون مختارة من أنواع مختلفة، وآداب مستحسنة، وأحاديث عن النبي  مسندة، وأدعية مفضّلة، ومراسلات منتخبة مختصرة، يقول: "وفيه ما يعين على فصاحة اللسان، وحسن البيان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جمال المرء فصاحة لسانه»، وقال علي بن أبي طالب: المرء مخبوءٌ تحت لسانه، وقال بعض الفضلاء:
وما حسن الرجال لهم بفخرٍ***إذا ما أخطأ الحسنَ البيانُ
وقال مسلمة بن عبد الملك: مروءتان ظاهرتان: الرياسة والفصاحة.
قال ابن شهاب: ما أحدث الناس مروءة أعجب إليّ من تعلّم الفصاحة.
وقال أفلاطون الحكيم: بإصابة المنطق يعظم القدر.
وقال معاوية بن أبي سفيان: إن الشعر يفصّح اللسان، ويدلي الجنان، ويسخي البخيل، ويحضّ على مكارم الأخلاق.
قال جامع المجموع؛ وهو الغني بالله الفقير إليه مبارك بن سعيد بن بدر بن محمد الغافري: قد جمعتُ هذا المجموع من كتبٍ شتّى، وسمّيته: (مجموع البيان لحسن مكارم الأخلاق على مرّ الزمان)".
جعل المؤلِّف كتابه في مقّدمةٍ وواحدٍ وأربعين بابًا في فنونٍ متفرِّقةٍ، ومواضيع عديدةٍ، ساق من خلالها المئات من المقطوعات الشعريّة، والحِكَم التي تجري مجرى الأمثال، والقصص والحكايا والأخبار، والرسائل الإخوانيّة والسياسيّة، ومأثورات المجرِّبين من قادةٍ وحكّامٍ وأمراء وعلماء وصالحين؛ مدعِّمًا ذلك بالكثير من الآيات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة الشريفة، ويقول في مقدّمة كتابه: "وقد جمعنا في إنشائنا هذا الكتاب كلِمًا وجيزًا، وقصدنا فيما ألّفنا من ذلك وجه الاختصار ليقلّ لفظه ويسهل حفظه، واستعنّا فيما وضعناه من ذلك بالله العزيز الجليل، وهو حسبنا ونعم الوكيل".
لم يصرّح المؤلِّف بمصادره في الغالب ومن مراجعه التي صرّح بها: الدر المكنون في غرائب الفنون لأبي بكر ابن عبد المحسن، ومختارات الشواهد والشوارد، وكتاب القلائد والفرائد، وكتاب كليلة ودمنة، ورسالة عبدالله بن إباض إلى عبد الملك بن مروان.
تبرز قيمة الكتاب في أنه يعين على فصاحة اللسان وحسن البيان، ويؤكِّد حرص العُمانيين على التواصل مع محيطهم العربي من خلال ما ساقه المؤلِّف من نصوصٍ منوّعةٍ للأدب العربي في كلِّ بقاعه وأزمانه، يقول الشكيلي في مقدّمة كتابه عن مكانة الأدب: "أمّا بعد فإنّ أحقّ ما نطق به لسانٌ، وأعرب به بيانٌ، وانطوى عليه كتابٌ، وانتمى إليه خطاب ما زاد في شدّة البصيرة، وعاد لصحة السريرة، وطرق طرائق العدل، وبيّن حقائق الفضل، فصار تذكرةً للأخيار، ومزجرةً للأشرار، فإنّ الأدب أدبان: أدب سياسةٍ، وأدب شريعة، فأدب الشريعة ما أدّى إلى أداء الفرض، وأداء السياسة ما أدّى إلى عمارة الأرض، وكلاهما يرجعان إلى العدل الذي به سلامة السلطان، وعمارة البلدان، وصلاح الرعيّة، وكمال المزيّة؛ لأنّ من ترك الفضل ظلم نفسه، ومن خرّب الأرض ظلم غيره".
توجد من الكتاب نسختان، نسخةٌ بخطّ مؤلِّفه، وهي حاليًّا بيد الشيخ محمد بن عبدالله الهنائي، وتوجد نسخةٌ مصوّرةٌ عنها في مكتبة السيّد محمد بن أحمد/السيب؛ برقم (255)، والنسخة الثانية محفوظة بمكتبة السيّد محمد أيضًا؛ وهي برقم (2039).
وقام بتحقيق الكتاب هلال بن محمود البريدي معتمدًا على نسخة المؤلِّف فقط، وقدّم له بدراسةٍ تفصيليّةٍ، وصدرت الطبعة الأولى من التحقيق عن وزراة التراث العُمانيّة سنة 1434هـ/2013م.

فهد بن علي السعدي