[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
يعتقد البعض أن تاريخ وتراث وإرث شعب أو أمة له الأثر الكبير في إبداع أبنائها وتفوقهم، في حين تلعب إدارة الحكم بجميع تفاصيلها الأثر البالغ في صياغة صورة المجتمعات في حال تبوأت مكانة لائقة أو تراجعت لتقف في اخر سلسلة الدول.
وعندما تحدثنا في مقال سابق عن التقدم الذي حققته كوريا الجنوبية وأشرنا تحديدا لقضية التعليم وكيف تفرد الحكومة الكورية الجنوبية ما نسبته ثمانية في المائة لقطاع التعليم من مجموع الناتج القومي، والأهم من ذلك، لا يتم صرف هذه المبالغ الطائلة للحديث عن مظاهر تعليمية فارغة دون أن تحقق أهدافا علمية ومعرفية وتنموية، وإنما تدر أرباحا كبيرة للبلد تتراوح بين عشرة وأربعة عشر دولارا عن كل دولار يتم استثماره في قطاع التعليم.
في التجربة الكورية الجنوبية ندحض نظرية العرق والارث والتراث وما تركه الأجداد من مكنوزات علمية ومعرفية، وفي الواقع نجد أن المسألة ترتبط ارتباطا وثيقا بنوع الحاكم وعقليات المسؤولين القائمين على حكم البلاد.
إذ أن الحديث في فضاءات التحليل دون ادلة من الواقع قد توقع صاحبها بإشكالية رمي الحجر في الظلمة دون دليل على وجود هدف في الاساس، ودون التأكد من الوصول إلى هدفه وإصابته في هذه البقعة أو تلك النقطة، لأن الظلمة الحالكة تحجب الأشياء ، فتضيع بينها التفاصيل المرجوة.
والدليل الذي نسوقه للتدليل على أن البناء المعرفي في ضوء التطورات في التعليم لا علاقة لها بالإرث الحضاري والتراثي، رغم أنها قد تكون حافزا في حال توفرت الأرضية الخصبة لذلك، ففي كوريا الجنوبية نلمس هذا التطور المعرفي الهائل، في حين نجد تراجعا وتخلفا كبيرا لدى الشعب الكوري نفسه الذي يعيش تحت حكم كوريا الشمالية، وهم جميعا شعب واحد بإرث وتراث وتاريخ واحد، لكن التقسيم الذي شق وحدة كوريا بعد الحرب العالمية الثانية، جاء بحكام في الجنوبية يختلفون عن اولئك في الشمالية.
فقد حققت الجنوبية قفزات اقتصادية هائلة لتصبح من الدول المتقدمة في التصدير وواحدة من مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم، في حين تحتل كوريا الشمالية درجات متدنية جدا في الاقتصاد وينعكس في طبيعة الحال هذا الأمر على التنمية بصورة عامة.
وهنا نتوقف عند بعض النقاط الرئيسية في هذه القضية، إذ أن الحديث عن قضايا الدول البعيدة قد يكون اكثر قبولا ومن ثم تفاعلا لدى الطبقة الوسطى في أي مجتمع، بعيدا عن تدخلات المزاج في قضية إصدار الأحكام على الآخر.
فقد تسبب انشطار الكوريتين بوجود نوعين من الحكام، وكلاهما من الشعب الكوري، ونتج عنه وجود شعبين كوريين في رقعتين جغرافيتين، لكن نجد في الجنوبي تلك التنمية في التربية والتعليم وما تمخض عنها من تقدم هائل في الميدان الصناعي والذي انعكس ايجابيا على مختلف أوجه الحياة، وعلى العكس من ذلك نجد الأحوال البائسة في كوريا الشمالية.