بلغت عناية الاسلام بالمرأة إلى حدٍّ أن قرر لها الحق في قبول الرضاعة أو رفضها هذا بالنسبة للمطلقة،بل قررالاسلام للمرأة وهي في عدتها أخذ أجرة على الرضاعة،ونهى الرجل عن الإضرار بها والتضييق عليها تشفِّيًا أو للخلاص من المسؤولية بالضغط خلافا للعرف الذي جرت عليه المجتمعات،وسارت عليه الجاهلية والكثير من المذاهب البشرية. فإن أرضعت المطلقات لكم أولادكم أيها الأزواج فوفُّوهن أجورهنَّ مقابل الرضاعة،ولايحق للزوج أن يلزم زوجته - وبالذات المطلقة - بالرضاعة،ويجوزالتفاهم في المسألة بين الطرفين بعيدًا عن أي لون من الضغوط والسبل الملتوية وليأمر بعضكم بعضًا بما تُعُورِفَ عليه من سماحةٍ وعدم تعنُّتٍ، أما إذا حدث الاختلاف فإن للأم الحق في أن تقبل الرضاعة أو ترفضها لتكون المرضعة غيرها، فإن طلبت المرأة مثلا في أجرة الرضاع كثيرًا ولم يجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلا و لم توافقه عليه فليسترضع غيرها.والطريق السليم الذي ينبغي لكل منهما أن ينتهجه للخروج من العسرة والمشاكل المتأزمة هوالتقوى وحضور الضمير.والتقوى أفضل ضمانةٍ لتنفيذالأحكام الشرعية،والتزام الحدودالإلهية، والإعتباربالمواعظ،والعمل بقيم الذكرالحكيم.وهي صبغة حياةٍ،ولونُ سلوكٍ،ومنهجُ تكاملٍ، وموقفٌ من الأحداث المتحركةحول الإنسان. فمن يتق الله ويقف عند أوامره ونواهيه يجعل له مخرجًا من كل ضيقٍ، فالتقوى بنت المعرفة ، فكيف إذن نزداد معرفة بربنا لكي نزداد تقوى؟والجواب هو بالنظر إلى الآفاق من حولنا،وإلى السماوات والأرض، وإلى أسمائه المتجلية في هذه الآفاق،إنها سبيلنا إلى معرفته تعالى.وعودًاعلى ذي بدءٍ فقد وجَّهَ الله تعالى إلى الإسترضاع في قوله(وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى)(الطلاق |6) وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أرضعيه ولو بماء عينيك". فإننا نلتمس من ذلك التأكيدعلى الإرضاع من ثدي المرأة،قبل اللجوء لأية وسيلة كالإرضاع الصناعي "حليب البقروغيره ". يتطورتركيب حليب الأم من يومٍ لآخرَ بما يلائم حاجةَ الرضيع الغذائية،وتحمُّلِ جسمه،و بما يلائم غريزته وأجهزته التي تتطور يوما بعد يوم،وهذا عكس الحليب الصناعي الثابت التركيب،يفرز الثديان في الأيام الأولى اللبن الذي يحوي أضعاف ما يحوي اللبن العادي من البروتين والعناصر المعدنية،لكنه فقير من الدسم و السكر،كما يحوي أضدادًا لرفع مناعة الوليد،و هو الغذاء المثالي للوليد.
وإن لبن الأم أسهل هضمًا لاحتوائه على خمائر هاضمة تساعد خمائر المعدة عند الطفل على الهضم،وتستطيع المعدة إفراغ محتواها منه بعد ساعة ونصف،وتبقى حموضة المعدة طبيعية و مناسبةً للقضاء على الجراثيم التي تصلها بينما يتأخَّرُ هضم خثرات الجبن في حليب البقرلثلاثة أو أربع ساعات،كما تُعدِّل الأملاح الكثيرة الموجودة في حليب البقر حموضةَ المعدة،و تنقصها مما يسمح للجراثيم و خاصة القولونية بالتكاثر مما يؤدي للإسهال والإقياء.
حليب الأم معقَّمٌ،بينما يندر أن يخلو الحليب في الرضاع الصناعي من التلوث الجرثومي،و ذلك يحدثُ إما عند عملية الحلب أو بتلوث زجاجة الإرضاع .
درجة حرارة لبن الأم ثابتة و ملائمةلحرارة الطفل،و لا يتوفر ذلك دائمًا في الإرضاع الصناعي .
الإرضاع الطبيعي أقلُّ كلفةً،بل لا يكلِّف أيَّ شيءٍ من الناحية الإقتصادية .
يحوي لبن الأم أجسامًا ضدية نوعية،تساعد الطفلَ على مقاومةِ الأمراضِ،و توجد بنسبةٍ أقلَّ بكثير في حليب البقر،كما أنها غير نوعية،ولهذا فمن الثابت أن الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أقلُّ عُرضةً للإنتان ممن يعتمدون على الإرضاع الصناعي .
يدعم الإرضاع الطبيعي الزمرةَ الجرثوميةَ الطبيعيةَ في الأمعاء ذات الدور الفعَّالِ في امتصاص الفيتامينات و غيرها من العناصرالغذائية،بينما يسبب الإرضاع الصناعيُّ اضطراب هذه الزمرة . يسبب لبن البقر مضاعفات عدم تحملٍ و تحسسٍ،لا تُشَاهد في الإرضاع الطبيعي كالإسهال و النزف المعوي والتغوط الأسود و مظاهر التحسس الشائع،كما أنَّ المغص و الإكزما البنيوية أقلَّ تواجدًافي الإرضاع الطبيعي .
يهيّئُ الإرضاع الصناعي - أي من غير الثدي - الطِّفلَ للإصابةِأكثر بأمراضٍ مختلفةٍ، كإلتهابات الطرق التنفسية،وتحدد الرئة المزمن الذي يرتبط بترسب بروتين اللبن في بلازما الطفل،وحذف لبن البقرمن غذاء الطفل يؤدي لتحسنه من المرض،وكذلك التهاب الأذن الوسطى؛لأن الطفل في الإرضاع الصناعي يتناول وجبته وهو مضطجعٌ على ظهره،فعند قيام الطفل بأول عملية بلعٍ بعد الرضاعة ينفتح نفير أوستاش ويدخل الحليب واللعاب إلى الأذن الوسطى مؤديا لإلتهابها، وتزيدحالات التهاب اللثة والأنسجةالداعمة للسن بنسبة ثلاثة أضعافٍ عن الذين يرضعون من الثدي،أما تشنُّجُ الحنجرة فلا يشاهد عند الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة من الثدي .
هذه الفروق و غيرها تفسر لنا نسبة الوفيات عند الأطفال الذين يعتمدون الإرضاع الصناعي عن نسبة وفيات إخوانهم الذين يرضعون من الثدي بمقدار أربعة أضعاف رغم كل التحسينات التي أُدخِلت على طريقة إعداد الحليب في الطرق الصناعية و على طريقة إعطائه للرضيع .

إعدادعبدالفتاح بن محمد بن تمنصورت
إمام وخطيب بجامع الشجيعية بمطرح