[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
كان السائد قبل احتلال العراق وتدميره وإخراجه من المعادلات الإقليمية والدولية ومعادلة الصراع العربي ـ الصهيوني، هو لغة العصا والجزرة، يلوح بهما الصهيو ـ أميركي في وجه معارضي سياسته الإمبريالية الاستعمارية، إلا أن احتلال العراق وما أفرزه من إرهاب وقدرة المحتلين الغزاة على تصنيع الغذاء المناسب لاستمراره وتوحشه وهو الفتن الطائفية والمذهبية، تبدلت لغة التعامل لتحقيق المشاريع الاستعمارية، بل على ضوء هذا الإرهاب المنتج الجديد/اللغة الجديدة أخرجت مخططات الاستعمار والتقسيم والتدمير من الأدراج.
ويبدو أن الصهيو ـ أميركي نجح نجاحًا كبيرًا في تعميم الإرهاب وتعويمه ليس في المنطقة فحسب، وإنما في العالم أجمع، يحمله سلاحًا إما لضرب كل من يقف أمام مشاريعه الاستعمارية الإمبريالية التوسعية وخطط الهيمنة على مقدرات الشعوب، وإما لتمهيد الأرضية لذلك. وقد سبق أن ذكرت في مقالات سابقة أن هناك ملاحظة عميقة وجديرة بالتوقف عندها وهي أن الإرهاب والوجود الصهيو ـ أميركي هما وجهان لعملة واحدة وقرينان لا يفترقان، فأينما وجد الصهيو ـ أميركي وجد الإرهاب، وأينما وجد الأخير وجد الأول، والشواهد على ذلك كثيرة في جهات الأرض الأربع، وما حصل مؤخرًا من تطورات مأساوية كان ركيزته الإرهاب المربَّى والموجَّه، وما سيحصل من تطورات سيكون بكل تأكيد ركيزته الإرهاب الذي تديره المخابرات الصهيو ـ أميركية وتابعاتها بكل جدارة وامتياز. إن العمليات الإرهابية المتزامنة التي استهدفت مؤخرًا دولة الكويت وتونس وفرنسا ليست من قبيل المصادفة بالنظر إلى طبيعة الهدف ومكانه وتوقيته، بل إن طبيعة المصلحة والمُخطَّط يشيران بكل وضوح إلى الأيدي التي تأبطت إرهاب القاعدة وداعش والنصرة، لتنفيذ أجنداتها، ويمكن استلماح ذلك من خلال:
أولًا: الهجوم الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام الصادق بالكويت والذي أوقع حوالي مئتين وتسعة وخمسين قتيلا وجريحا، يحمل رسائل مهمة وخطيرة إلى البيت الخليجي، خاصة وأن الكويت تأتي ثانية بعد السعودية في الاستهداف، وهي الإعلان عن إدخال دول الخليج في معترك الفتن الطائفية والمذهبية، والإعلان عن ثورات إرهابية تقوم في وسط دول مجلس التعاون بديلة للثورات الإسلامية للإخوان المسلمين التي كانت أعلنت عن خطة قيامها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة غداة ثورة الثلاثين من يونيو في مصر والإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين. واللافت أن الإعلان المبكر لتحويل دول المجلس لبؤر للإرهاب الداعشي والقاعدي، جاء في ذروة المفاوضات النووية الجارية بين إيران والمجموعة الدولية والتي تشارف على نهاياتها، ما يعيد إلى الأذهان الرد الشهير للرئيس الأميركي باراك أوباما على "الحرد " الخليجي من المفاوضات بأن "الخطر الأكبر الذي يهدد عرب الخليج ليس من إيران، إنما من سخط الشبان الغاضبين العاطلين داخل بلدانهم، والذين لا خيارات أمامهم غير الانضمام لداعش". وطبعًا الهدف من ذلك هو تمزيق المجتمعات الخليجية من الداخل، والاستنزاف المركَّب للبترودولار بصفقات الأسلحة واتفاقيات حماية بتصعيد الخطريْنِ الإيراني والداعشي. وإن كان ما تشهده دول مجلس التعاون الخليجي هو نتيجة طبيعية لسياسات المراهقة الطاغية على المشهد منذ تفجر سونامي "الحريق العربي".
ثانيًا: الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة سوسة السياحية، واستهداف السياح الأوروبيين من رعايا الدول الفاعلة في حلف شمال الأطلسي "ناتو" هو رسالة واضحة للحكومة التونسية للضغط عليها للتحرك سريعًا إلى الموافقة على إقامة القاعدة الأميركية على الأراضي التونسية بذريعة مساعدة تونس في محاربة الإرهاب في الهدف الظاهر، أما الهدف الخفي فهو لتولي مراقبة شمال إفريقيا وجنوب الصحراء والتجسس على الدول المجاورة لتونس وإدارة عمليات التدخل والإرهاب فيها كالجزائر ومصر وليبيا. وما الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس باراك أوباما مع نظيره التونسي الباجي قائد السبسي، وعرضه المساعدة في تحقيقات العملية المسلحة التي أدت إلى مقتل ثمانية وثلاثين سائحًا أجنبيًّا وإصابة آخرين، وتعهد أوباما بأن "بلاده مستمرة في تعزيز التعاون مع الحكومة التونسية في مكافحة الإرهاب والقضايا الأمنية الأوسع"، إلا إشارة واضحة حول ما ذكرته آنفًا. وقبل ذلك كان أوباما منح تونس وضع حليف خارج حلف شمال الأطلسي.
ثالثًا: الهجوم الإرهابي الذي استيقظت عليه مدينة ليون (جنوب شرق فرنسا)، بتعليق رأس مقطوع على بوابة أحد مصانع الغاز في وسط المدينة، ومكتوب عليها عبارات بالعربية، وإلى جوارها أعلام "داعش"، كما صرح برنار كازنوف وزير الداخلية الفرنسي، بينما لم يمر عام واحد على الحادث الإرهابي في وسط باريس والذي استهدف صحيفة تشارلي إيبدو ومركزًا يهوديًّا راح ضحيته اثنا عشر مواطنًا فرنسيًّا، تبنته "داعش" أيضًا، يطرح هذا الهجوم سؤالًا: لماذا لم يستهدف بريطانيا أو ألمانيا أو إيطاليا ـ وإن كنا لا نستبعد ما دام تحريك الإرهاب وفقما تقتضيه المصالح؟ ولماذا فرنسا للمرة الثانية؟
للوصول إلى الإجابة، لا بد من ربط الأحداث بأزمنتها وظروفها وتطوراتها، فالهجوم الإرهابي الأول الذي استهدف صحيفة تشارلي إيبدو والمركز اليهودي، تزامن مع تحرك فرنسي مشبوه، لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن حول القضية الفلسطينية، وهو ما أثار غضبًا إسرائيليًّا عارمًا من هذه الخطوة الفرنسية، رغم تفريغ مشروع القرار من مضامينه لغير صالح القضية وابتزاز باريس الفلسطينيين لتقديم المزيد من التنازلات، كذلك الهجوم الإرهابي الثاني في مدينة ليون تزامن مع استعداد فرنسي أيضًا لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن لصالح القضية الفلسطينية، وهو طبعًا تحرك لن يختلف عن سابقه ودعائي أكثر منه جدي لتظهر باريس للعالم العربي أنها مع قضاياه وخاصة القضية الفلسطينية، بعد أن أغرقتها مليارات البترودولار الخليجية. ولهذا يريد المخططون لهذه العملية الإرهابية إيصال رسالة إلى الشعب الفرنسي خاصة والأوروبي عامة أن العرب والمسلمين ما هم سوى إرهابيين ومتطرفين، بدليل أنكم تمدون أيديكم لدعمهم ومساندتهم في قضاياهم، ويقطعونها بإرهابهم وتطرفهم، ومثلما يتربصون بكم يتربصون بنا أيضًا.
في تقديري، تلك هي الأهداف التي دفعت منتجي الإرهاب وداعميه إلى شن هجمات إرهابية منسقة، الأمر الذي يعني أن من الممكن أن نشهد هجمات إرهابية مماثلة في أي مكان وزمان لتحقيق أهداف استعمارية. كما ليس مستبعدًا الاعتراف بهذا الإرهاب كقوة يتم التفاوض معها مثلما تسند إليها إنجاز المهمات والمشاريع.