إعداد ـ علي بن سالم الرواحي
لقد جعل الله القرآن معجزته الخالدة , فما سبقه من معجزات كانت حسية مؤقتة بصاحبها من الأنبياء فتزول بعد موته وينتهي أثرها على أتباعه, لكن معجزة القرآن لا تنتهي بزوال الأمم وعلومه لا تتوقف بمرور الزمن وأثره باقٍ على رغم من جحد وظلم, فالقرآن كله عجائب في عجائب وإعجاز في إعجاز, وهداية في هداية .. وهيا بنا نبحر معاً في اقتباس ولو أقل القليل من بعض لآلئ عجائب القرآن العلمية لتكون منارة لحياتنا والله ولي التوفيق.
يقول الحق تبارك وتعالى:( وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)(الرعد) أي جعل زوجين من كل الثمرات في الأرض حيث يحتمل معنى (الزوجين): الذكر والأنثى, ولقد أكَّد علم الحديث صحة ذلك, وهذه الزوجية قد تكون على شكل إحدى الشجرات ذكراً وإحداها أنثى كما هو الحال في النخيل, أو تكون الشجرة الواحدة تضم أعضاء ذكرية وأعضاء أنثوية كما هو الحال في كثير من الأزهار, من ناحية أخرى هناك ترابط تلازمي بين عملية الإثمار وعملية تعاقب الليل والنهار وهو سر الجمع بينهما في الآية حيث أن عملية الإثمار تحتاج إلى النهار في تنفيذ عملية التمثيل الضوئي, وعملية إغشاء اللهُ الليلَ النهار يكون بجعل زمنيهما متعاقبين, وجعل الليل مفعولاً به أول في إشارة إلى أن الليل هو الأصل في الكون لو لا نور الله جل علا, لكن لا يعني ذلك أن الليل والنهار لم يوجدا معاً في الأرض.
يقول الحق تبارك وتعالى:( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)(الرعد), (تغيض) أي تُنْقِص الأرحامُ وهنا بمعنى السقط كما روي عن ابن عباس وغيره, فيكون معناه السقط الناقص للجنين قبل تمام خلقته وفي عملية الإسقاط التلقائي المبكر يبتلع الرحم الجنين بتحليله فيه تماماً كما تبتلع الأرض الماءَ فكلمة (تغيض) هي الأدق ها هنا ولا يمكن استعاضتها بكلمة أخرى, أو يلفظه الرحم إلى خارجه, إما (ما تزداد) هو ما تزيده الأرحام من وزن الجنين واكتماله في الخلقة خلال فترة الحمل, وهذا سر آخر حيث أن الجنين يتغذَّى من رحم أمه من خلال الحبل السري ,وكذلك تنفسه منه.
يقول الحق تبارك وتعالى:( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ (الرعد), البرق هو ما ينتج من وميض ضوء نتيجة عملية التفريغ الكهربائي بين سحابتين ذواتي شحنتين مختلفتين والرعد هو الصوت الناتج عن البرق الذي يحدث منه حرارة شديدة في الهواء ينتج عنها تمدد مفاجئ فيه مصاحباً بصوت عال, لكن الآية تشير إلى الآثار السلبية للبرق المشار إليها بـ (خوفاً) في الإنسان فقد ثبت علمياً إنه يؤثر على البصر وعلى الرئتين وعلى الأعصاب ويحدث اضطرابات قلبية ونفسية, وربما يسبب حريقاً ,كما تشير الآية إلى آثاره الإيجابية المشار إليها بـ (طمعا) كنزول الأمطار.
يقول ربنا تبارك وتعالى:( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(الرعد),و (الزبد) هو عبارة عن فقاعات هوائية تحتوي على نسبة قليلة من بخار الماء ومن جسيمات صلبة لا فائدة فيها وهو يظهر كرغوة وغثاء, وهنا ذكر زبديْن متشابهين في التكوين: الأول يكون في حالة سيول الأودية التي تحمل ثروات معدنية كبيرة تترسب بالتدريج على طول الوادي وذلك عند تباطؤ جريانه أو عند عجزه عن حمله للمزيد منها, وتسمى هذا الترسبات برسوبيات القرارة وكثير من الثروات المعدنية ناتجة عن ذلك وهذا سبق قرآني أما الزبد فتلفظه الأرض, و(الثاني) زبد الفلزات المعدنية كنحو الذهب والفضة والحديد والنحاس ففي عملية استخراج هذه الفلزات تُصْهَر خاماتها وتظهر هناك شوائب ليست من عناصرها تسمى بـ (خبث الفلزات) وعندما تتجمد تشكل طبقة زجاجية سوداء مليئة بالفقاعات الهوائية تشبه كثيراً زبد السيل, فالله أكبر.
يقول الله تبارك وتعالى:( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)(الرعد:41), و(ننقصها) جملة مجملة قد تشمل عدة أمور:
1- انكماش حجم وكتلة الأرض: ويذكر التأريخ أن الأرض بدأت بحجم أكبر بحوالي مائة مرة عن حجمها الحالي ,وهذا الإنكماش ناشىء عن تبريدها ويتسبب في حدوث الإلتواءات الأرضية وفي حدوث البراكين حيث تضغط القشرة على جوف الأرض فيخرج منها الحمم البراكينية, وفائدة هذا الانكماش هو المحافظة على النسبة بين كتلتي الأرض والشمس وهي التي تضبط البعد النسبي بينهما, ومن حكمة الله أن جعل كمية الشهب والنيازك المخترقة لجوِّنا يومياً عوِضا لما قد تفقده الأرض من كتلتها جراء انفلات بعض المواد من جاذبيتها.
2- بمعنى تفلطحها (أي انبساطها) قليلاً عند القطبين بينما تنبعج قليلاً عند الاستواء, حيث وُجِد أن قطرها عند القطبين ينقص بمقدار 42,7كم عن قطرها الاستوائي, وذلك ناشىء عن دوران الأرض حول تفسها.
3- بمعنى اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات – اليابسة- وانصهارها بفعل تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض, وهذا التحرك ناتج عن حركة دوران الأرض حول محورها حيث تتباعد الألواح أو تصطدم مع بعضها البعض فيؤدي إلى اتساع هذه القيعان وتجدد صخورها عند خطوط التباعد , أو إلى استهلاكها وتناقصها عند خطوط التصادم،ففي حالة اصطدام قاع المحيط بالقارة يحتمَل أن تتكون جزر بركانية فيضيق قاع المحيط بينما في حالة التباعد بين القارات أو بين البقع الأرضية يتسع المحيط , وهذا التجدد والاستهلاك في الصخور صورة من انقاص الأرض من أطرافها.
4- تناقص أطراف الأرض اليابسة بواسطة عوامل التعرية والنحت التي تسببه البحار والمحيطات التي تحيط بها.
وهذه الأمور لم تكن معهودة لدى الناس عند تنزل الوحي فسبحان الله العظيم وسع كل شيءٍ علماً.