تطرقنا في مقالة سابقة إلى التحديات التي يثيرها التباعد في الدورة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاقتصاديات الخليجية، حيث تتجه الأولى إلى رفع سعر الفائدة في المدى المنظور في حين تفضل دول المجلس الإبقاء على سعر الفائدة منخفضة لتحفيز النمو الاقتصادي الأمر الذي يقتضي إعادة النظر في موضوع ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي.
مع ذلك لا يبدو في الأفق أن دول مجلس التعاون الخليجي عازمة على تغيير سياسة ربط عملاتها بالدولار الأميركي في الوقت الحاضر على الأقل. والمحللون ينقسمون إلى فريقين ما بين مؤيد لفكرة فك الارتباط وبين معارض لهذه الفكرة، إذ يرى الفريق المعارض أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار لن يخدم الأهداف الكلية للاقتصاديات الخليجية ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة فيها على المدى القريب.
من ناحية أخرى فإن هناك عدة مزايا إضافية لربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار، وخاصة إن النفط الخام، وهو سلعة التصدير الرئيسية لدول المجلس، يسعر عالميا بالدولار الأميركي. كذلك من المعلوم من الناحية النظرية انه يفضل للدول التي تقوم بإنتاج وتصدير سلع تعدينية او زراعية أن تقوم بربط عملتها بالعملة التي يتم استخدامها في تقييم أسعار تلك الصادرات.
ونظرا لكون الجانب الأكبر من واردات المنطقة يتم بالدولار الأميركي، فأن ربط العملات الخليجية بالدور يسمح باستفادة الاقتصاديات الخليجية من قوة الدولار أمام العملات الأخرى وخاصة في المرلحة الراهنة.
أيضا ونظرا لكون الجانب الأكبر من الاستثمارات الخارجية للمنطقة والذي يتم في إطار صناديقها السيادية للاستثمار، يتم أيضا بالدولار الأميركي وكذلك الجانب الأكبر من احتياطيات تلك الدول بالنقد الأجنبي يتمثل في الدولار الأميركي فإن الاحتفاظ بربط العملات الخليجية بهذه العملة يسمح بالمحافظة على القيمة الحقيقية لهذه الاستثمارات والاحتياطيات، لكن يحدث العكس في حالة انخفاض سعر الدولار.
مثل هذه العوامل تعد مشجعة لتبني ربط العملة الخليجية بالدولار الأميركي. إلا أن العيب الأساسي في الربط بالدولارالأميركي، يتمثل في أنه في الأوقات التي يميل فيها الدولار الأميركي نحو الهبوط فان ذلك سوف يعني هبوط قيمة العملة الخليجية الموحدة بالتبعية، ومن ثم تعاني تلك الدول من ارتفاع في الأسعار نتيجة ارتفاع أسعار الواردات من الخارج، وانخفاض القوة الشرائية لاحتياطياتها من النقد الأجنبي وكذلك انخفاض القيمة الحقيقية لاستثماراتها الخارجية.
لذلك، فأن أفضل طريقة لتفادي أثر انخفاض الدولار على الاقتصاديات الخليجية، هو تنويع مصادر الدخل من جهة، وتنويع مصادر الواردات من جهة أخرى، وإحلال الواردات من الدول التي تتعامل بالدولار محل الواردات من الدول الأخرى. حيث إن هناك إجماعا حول استمرار تداعيات الأزمة العالمية وما تنطوي عليه من استمرار في تقلبات سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية. من ثم فإنه يمكن القول إن قرار فك ربط العملات الخليجية بالدولار ليس بالقرار السهل بل يحتاج إلى دراسة متعمقة لكي لا تظهر تأثيرات سلبية في اقتصاد المنطقة، كم أنه يجب التأكيد على أن هذا القرار هو قرار إستراتيجي له ارتباطات سياسية متشعبة وغير مقتصرة على الجوانب الاقتصادية فقط.

حسن العالي