[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” .. زيارة أي مسؤول عربي أو دولي لرام الله , مرهونة بقرار الرفض أو القبول من سلطات الاحتلال. الاحتلال يؤثر ويتحكم مباشرة وبطريق غير مباشر أيضاً في كل نشاطات السلطة الفلسطينية. هذا هو الجانب الموضوعي الأبرز في الأزمة.أما الجوانب الذاتية في بنية السلطة فتتلخص في جوانب عديدة أبرزها محدودية الفعل لرئيس السلطة ومن يسمون بـ وزراء الحكومة!.”

ــــــــــــــــــــــــ
لا تُحسد (الحكومة) الفلسطينية المنوي تشكيلها بحماس أو من دونها على الوضع الذي هي فيه. فالمسمون ( وزراء ) فيها مجازا.. مرهونون في الملابس التي يرتدونها, بمن فيهم رئيس السلطة, بالجنود الإسرائيليين المنتشرين على الحواجز! فإذا ما أراد جندي صهيوني تأخير (موكب) أحد الوزراء وتفتيشه الجسدي من خلال تجريد ملابسه في خيمة! فسيفعل ذلك! فهو من يحمل السلاح .. لذا فهو الاقوى!. أكتب هذه الصورة وأتخيلها لا من موقع الشامت والعياذ بالله !, ولكن من موقع الألم الذي ينتابني عندما يتخيل أحد الوزراء القادمين في الحكومة العتيدة نفسه, وزيرا حقيقيا!.هذه ليست صورة شعبنا بالطبع, فالشعب الفلسطيني نذر نفسه لفلسطين وبالمقاومة. لذا من الطبيعي أن أتخيل مقاوما/ مقاومة فلسطينيا/فلسطينية يحمل/تحمل السلاح كالشهيدة دلال المغربي ورفاقها, على سبيل المثال وليس الحصر, عندما استعادوا شاطئنا الفلسطيني الجميل لبعض الوقت. جاء وزير الدفاع ورئيس أركان حربه وقادة الأجهزة الأمنية الصهيونية إلى موقعهم, وأحضروا معهم قوات هائلة تكفي لفتح معركة على إحدى الجبهات العربية. مقاتلتنا ورفاقها قاتلوا العدو حتى الاستشهاد. بربكم: ما هي الصورة الأبهى والأجمل ؟ الأولى أم الثانية؟ ومن الصورتين تعكس عنفواننا الفلسطيني العربي الإنساني البهي الجميل؟ هذا ما أقوله حول الحكومة الفلسطينية القادمة.
أما حول المأزق فنقول: إن العنوان الأكبر له أن النظام السياسي الفلسطيني يقع تحت الاحتلال, وهذا ما يعمل على خلق إشكاليات حقيقية أمامه، تؤدي إلى تحديد مكوناته، وحركته التي تظل مقترنة بواقع قوانين الاحتلال, وسيطرته الفعلية على جزء كبير من الموارد المالية للسلطة, والكثير من التقييدات الأخرى السياسية، فزيارة أي مسؤول عربي أو دولي لرام الله , مرهونة بقرار الرفض أو القبول من سلطات الاحتلال. الاحتلال يؤثر ويتحكم مباشرة وبطريق غير مباشر أيضاً في كل نشاطات السلطة الفلسطينية. هذا هو الجانب الموضوعي الأبرز في الأزمة.أما الجوانب الذاتية في بنية السلطة فتتلخص في جوانب عديدة أبرزها محدودية الفعل لرئيس السلطة ومن يسمون بـ وزراء الحكومة !.
الجانب الثاني في المأزق ناتج عن تبعات الانقسام الفلسطيني،وفشل كافة الاتفاقيات الموقعة بين حركتي فتح المتمثلة في السلطة الفلسطينية، وحماس المتمثلة في سلطة غزة وحكومتها المقالة (الفاعلة في القطاع حتى اللحظة) فأي نظام( سلطتان) هذا المقسم ليس سياسياً فحسب وإنما بالمعنى الجغرافي أيضاً؟ الأمر الذي يترك بصماته الواضحة على هذا النظام الواقع بشقيه تحت الاحتلال.
الجانب الثالث في الأزمة هو: وصول مفاوضات العشرين عاماً مع العدو الصهيوني إلى طريق مسدود, فالطرح الإسرائيلي واضح وصريح: مفاوضات في ظل الاستيطان المتغول الدائم , وفي ظل اشتراطات إسرائيلية: الاعتراف بيهودية الدولة، ولاءات إسرائيل الرافضة لكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية .. نتنياهو أكد أن دولة فلسطينية لن تقوم في عهده! كذلك وزير حربه يعالون قال تصريحا في نفس السياق! تراجع نتنياهو عن تصريحه يؤكد حقيقة نواياه ,وأن تصريحاته عن دولة فلسطينية عتيدة (حتى منزوعة السلاح), ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي. ووفقما صرّح قادة صهيونيون آخرون, يجمعون على أن قيام دولة فلسطينية هو أمر مستحيل. من هؤلاء: نيفتالي بينيت, وزير الخارجية السابق الفاشي ليبرمان وغيرهما.
محمود عباس حدد خياراته الاستراتيجية بالمفاوضات فقط، ألغى من قاموسه كل الخيارات الأخرى, وعلى رأسها المقاومة المسلحة، الأمر الذي أضعفه كثيراً(وبالتالي السياسة الفلسطينية برمتها) وهو ما ساعد على تصعيد الشروط الإسرائيلية, فما من ضاغط على الكيان الصهيوني للاعتراف بأيٍّ من الحقوق الفلسطينية. عباس متفائل بالمفاوضات وبالضغوطات الأميركية والدولية على الكيان للاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وهذا محض وهم، فالولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية عموماً, هي طرف رئيسي يصطف إلى جانب إسرائيل في الصراع الفلسطيني العربي ـ الصهيوني.عباس إما أنه لم يستوعب الحقيقة الأكيدة التي أثبتت صحتها وموضوعيتها على مدى عقود عديدة ( هي السنوات التي مضت على إنشاء الكيان) وهي: أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطاً نزيهاً بين العرب والكيان الصهيوني, وهذا مصيبة, أو أنه لا يستوعب الحقيقة وهنا المصيبة أعظم.
المسألة الرابعة من الأزمة هي: المالية, فالعجز الاقتصادي الفلسطيني ارتفع ليصل إلى ما يزيد عن خمسة مليارات دولار، والأزمة لا يجري علاجها، بل تُرّحَل من شهر إلى آخر. وما كان لاتفاقية غاية في السوء وهي اتفاقية باريس الاقتصادية التي جعلت من الاقتصاد الفلسطيني مسماراً في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي ومُلحقاً تابعاً له ... ما كان لهذه الاتفاقية سوى انتاج الأزمات المالية المتفاقمة للسلطة. هذا وسط وجود تضخم هائل في عدد الموظفين الذين يزيدون عن (160) ألفاً، ووسط مظاهر فساد كثيرة يعترف بها المسؤولون الفلسطينيون أنفسهم.
ثم إن هناك جوانب عديدة مثل: إن البرنامج السياسي للسلطة المتلخص في: أن إقامة دولة فلسطينية على كامل حدود عام 1967, دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف،لا يرتبط في أساسه على العامل الفلسطيني, بمعنى الوصول إلى ميزان قوى مع الكيان يفرض عليه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإقامة هذه الدولة العتيدة،وإنما كنتيجة لتوقيع اتفاقيات أوسلو المشؤومة، تم ربط تحقيق هذا المشروع بالموافقة الإسرائيلية وهذا لم يحدث, ولا يحدث, ولن يحدث...الأمر الذي يستدعي بناء استراتيجية فلسطينية جديدة متوائمة مع جدية المخاطر الصهيونية.استراتيجية تعتمد على النهج الأساس في إجبار الدولة الصهيونية على الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني وحقوق أمتنا العربية أيضاً،ألا وهو الكفاح المسلح, ثم المطالبة بتنبي هذا النهج على الصعيد العربي أيضاً.
بالنسبة لبطانة الرئيس, فقد اعتاد أفرادها, العلاقات مع المسؤولين الصهاينة إلى الحد الذي كانت تنظم فيه سهرات مشتركة بين الجانبين على شواطىء هرتسيليا وتل أبيب ومواخيرهما!, واصبح لافراد كل هذه البطانة مصالح اقتصادية من وجود السلطة, ويكفي أن نقول أن ابن الرئيس الفلسطيني اشترى مؤخرا, فندقا في عمان بمبلغ 35 مليون دولار( من أين لك هذا)!. الرئيس يغلق أذنيه عن أية نصائح سوى (حِكَم) أعضاء بطانته (لا فضت أفواههم). هكذا بطانة.. وهكذا رئيس لن تُنتج/ ينتجون سوى قرارات عاجزة!. والبقاء لله .. وعظم الله أجرنا في سلطتنا صاحبة القرارات "النافذة رغما عن الكيان"!.