الطرق شرايين حياة تربط مختلف المحافظات ببعضها، وتيسر نقل البضائع والسلع ومختلف الخدمات، وربط أواصر الرحم والتراحم والتلاحم الأسري وبين مختلف أبناء المجتمع، وهي قاعدة أساسية تنطلق منها مختلف برامج ومشروعات التنمية التي تمتد إلى كل مكان في أنحاء الوطن.
وبنظرة متفحصة لقطاع الطرق في السلطنة قبل يوم النهضة المباركة في الثالث والعشرين من يوليو 1970 المجيد، نجد أنه يتكون من كيلومترات قليلة من الطرق المرصوفة، وأعداد قليلة من الطرق الترابية، وكثير من مناطق السلطنة كان متعذرًا الوصول إليها برًّا، بل عن طريق البحر فقط، وبعض منها كان الوصول إليها محفوفًا بالمخاطر في دروب جبلية شديدة الوعورة والقسوة، ولا وسيلة انتقال تصلح لمثل هذه التضاريس القاسية سوى الدواب وأحيانًا القدمين فقط.
وللأهمية البالغة لقطاع الطرق، فقد أولته حكومة السلطنة اهتمامًا كبيرًا منذ فجر النهضة المباركة، إذ كان ضروريًّا أن تمتد الطرق المرصوفة والممهدة في كل اتجاه كبنية أساسية تنطلق منها سائر الخدمات إلى مختلف المحافظات وبشكل موجز الآن، وبعد ما ينيف على أربعة وأربعين عامًا مثمرًا هي عمر النهضة المباركة، يمكن القول إن السلطنة تتمتع بشبكة طرق حديثة تربط جميع محافظاتها وولاياتها، حتى الجبلية منها وذات الطبيعة الجغرافية الخاصة، وبعض هذه الطرق يصل السلطنة ببلدان شقيقة مجاورة، بما يعد دفعة قوية لتنشيط حركة التبادل التجاري والسلعي مع هذه البلدان، وتيسير الانتقال البري إليها للمواطنين والمقيمين وكذلك السياح والزوار، بما يسهم بشكل ملموس في تحقيق أحد أشكال التوحد والتجانس بين دول وأبناء المجتمع الخليجي.
اليوم ومن ينظر إلى شبكة الطرق التي تغطي السلطنة ممتدة كشرايين جسم الإنسان، يقف بكل إكبار وإجلال على حجم التحدي، وحجم الجهد والمنجز في قطاع النقل الذي ـ بلا شك ـ نال حظًّا وافرًا من الاهتمام الحكومي ومن المخصصات المالية ليبسط الأرض أمام المواطن والمقيم والزائر والسائح وفق أحدث المواصفات القياسية التي تتيح الانسياب الآمن للحركة المرورية دون أي معوقات، وتوفر أقصى درجات الأمان والراحة لمرتادي ومستخدمي هذه الطرق، خاصة في المناطق ذات الطبيعة الخاصة. وإزاء ذلك لم تقف خطط حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ عند ما أُنجز، بل إنها ظلت مواكبة التوسع العمراني والنمو السكاني والنشاط الاقتصادي والسياحي والاجتماعي، وما يتطلبه ذلك من توسيع للطرق المقامة وإنشاء أخرى جديدة، وأخرى رديفة. غير أن هذه الشبكات بالنظر إلى ما صرف عليها من أموال باهظة جراء الطبيعة التضاريسية الصعبة التي تتميز بها السلطنة تحتم أن تكتمل بنيتها؛ أي بنية قطاع النقل باستصدار التشريعات والقوانين الحاكمة والمنظمة والصائنة في الوقت ذاته لهذه الطرق، بما يضمن السلامة لمستخدميها ومرتاديها، ويضمن سهولة نقل البضائع من وإلى بكل أريحية، مع مراعاة عنصر الديمومة لهذه الطرق، وعدم إصابتها بالتشوهات والتشققات والحُفر، وسرعة تهالكها جراء الأوزان المبالغ فيها، ولهذا فإن قانون النقل البري الذي أقره أمس الأول مجلس الدولة بعد إحالته إليه من مجلس الوزراء وبعد إبداء مجلس الشورى ملاحظاته عليه، يمثل بل يجب أن يكون ضمانة لسلامة قطاع النقل البري من خلال ما يتضمنه القانون من أهداف وما يمثله من أهمية في تنظيم النقل البري للأشخاص والبضائع، وتحديد قواعد وشروط ممارسة النشاط، بما يضمن توفير أفضل الخدمات، وإلى الاستجابة إلى متطلبات الأشخاص للنقل في أحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وتحكي النهضة العمانية المباركة تاريخًا طويلًا ومفصلًا حول جهود جلالة السلطان المعظم خاصة وجهود السلطنة عامة في مجال البيئة، وتحرص على أن تضيف إلى الميراث البشري قاطبة صفحات خالدة، حيث تعد رؤى جلالته ـ أيده الله ـ وأدواره في مجال صون البيئة وما تشمله من حيوات قاموسًا فريدًا في هذا المضمار، وقبل أن ينتبه العالم الحديث إلى خطورة التحولات البيئية في حياة البشر، فإن الإصرار على مواصلة هذه الجهود مستمر في كتابة أسطر جديدة، حيث في كل مرحلة نقف على تشريع قانوني من خلال مرسوم سلطاني أو إقرار لمشروع قانون من قبل المؤسسات التشريعية بالبلاد، حيث وافق مجلس الدولة أيضًا أمس الأول على المقترح المقدم من اللجنة الاجتماعية للمجلس حول مراجعة التشريعات المنظمة لقطاع الصرف الصحي بعد إضافة التعديلات والأخذ بملاحظات الأعضاء، وذلك لما يمثله هذا القطاع من أهمية كبرى مع ارتفاع معدلات النمو السكاني وزيادة الأنشطة الصناعية والاقتصادية المصاحبة لعملية التنمية، وما يمكن أن ينجم عنه من زيادة في معدلات التلوث، الأمر الذي يتطلب إحداث نقلة نوعية في قطاع الصرف الصحي، وذلك بهدف تقديم خدمة متميزة وحماية للبيئة من التلوث وبخاصة المياه الجوفية، وحفاظًا على الصحة العامة من المخاطر والأضرار المرتبطة بها.