كل إنسان في هذه الحياة هو مسؤول عن أعماله وعن أهدافه ومنجزاته وماذا عمل لما بعد الحياة ، وعلى هذا فالناس في هذه الحياة بين رجلين : رجل هو أسير أمله ، يصبح ويمسي في ملاهيه ، غره شبابه وصحته وماله وجاهه وكل ما أوتي من نعم ، فأصبح يتمنى على الله الأماني ، ويعطي نفسه هواها ، ويستمر على ذلك حتى يفجأه صارم الأجل ، فيقطع حبل أمله ، ويفيق حين لا تجديه الإفاقة ، ولا تنفعه اليقظة ، ورجل علم لماذا خلق ، فكان أسير العمل الصالح ، يغدو ويروح في الطريق الذي يوصله إلى أهدافه النبيلة وغاياته السامية وسعادته الأبدية في الدارين ، وهذا إذا اغتنم فرصة شبابه وصحته وغناه ، وسخر جميع طاقاته في ذلك، ولا ريب أن زنة هذه الحياة بقدر استغلال الإنسان لها في العمل النافع والصالح وما يخدم به نفسه ومجتمعه.
والإنسان – في حقيقة الأمر – مسؤول في هذه الحياة عن كل نفس يتنفسه وعن كل خطوة يخطوها ، وهو مسؤول عن حقوقه وواجباته ، مسؤول عن أعماله كلها ، فهو مسؤول عن واجباته وفرائضه الدينية وإنجازه لأعماله الدنيوية ، فالإنسان مسؤول عن إقامة صلاته وإيتاء زكاته وصيام رمضان وحج البيت ، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومسؤول عن حقوق أهله عليه والديه وأولاده وزوجته وأرحامه وجيرانه وإخوانه المسلمين ، مسؤول عن حقوق أمته عليه إصلاحها ورفعتها ونصرتها ، مسؤول عما يقيمه من علاقات وتعاملات بينه وبين الناس مسؤول عن صدقه معهم وتعاونه وأمانته وعدله ونصيحته ، مسؤول عن أخلاقه وصفاته الخلقية ، مسؤول عن إتقان أعماله والإخلاص فيها، ومع هذا كله فإن شواغل الدنيا وأعمالها قد تصد عن القيام بهذه الحقوق وتلهيه عنها ، فيقصر في حق من الحقوق أو واجب من الواجبات ، فيؤدي ذلك إلى اختلال موازين حياته ما لم يسلك الطريق المستقيم الذي وضعه له الشرع الحنيف .
فقد يلهيه الكسب عن الصلاة ، وقد يعميه جشع النفس وحب المال عن إيتاء الزكاة ، ويطول أمده وتغره الأماني فلا يحج بيت الله الحرام ، وينشغل بالدنيا فينسى أهله وأولاده ، زوجته وجيرانه وكل من له حق عليه ، و يؤدي ترك الواجبات إلى الوقوع في المهلكات فيعق الإنسان والديه بسبب أو بدون سبب فلا ينفق عليهما أو يعينهما على مشاق الحياة وصعابها وكل هذا بسبب انغماسه في الدنيا وحبه لها ، فنراه في محالاته أو أسواقه إن كان تاجرًا ، أو في مكتبه إن كان موظفـًا ، أو في شركاته واجتماعاته إن كان رجل أعمال ، وقد يكون طفلا ً صغيرًا قد ألقمته الدنيا أثداءها وجعلته بين أحضانها يشتغل باللعب واللهو ولا يحمل هم الدين والدنيا ، وعلى هذا فلابد للإنسان أن يعرف مسؤولياته في هذه الحياة وإلا عاش عيشة البهائم بل أضل ، متعلق بسفاسف الأمور وتوافه الأسباب ، وكان حقـًا أن يقال فيه " ليت أمه لم تلده " .

يحيى بن أحمد بني عرابة