[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ينوء واقعنا العربي بما يمكن أن نصطلح عليه المفاطنة، ليس من موقع استذكار تمليه الحاجة وفق سياقات متابعة يستلزمها العمل، أي عمل كان، وإنما تحت ضغط مباغتة الخطأ لنا واكتشافه، وشتان بين مفاطنة يمليها الحس بالمسؤولية العامة، أو التي تفرضها الوقائع لأنها في النسخه الثانية تكون الفطنة آنية وليس من سياق العمل المطلوب ومقتضيات المراجعة الدورية وتكون مواجهة علاجية بالضرورة وليس وقائية.
إن ظاهرة المفاطنة في واقعنا العربي باتت حالة معروفة خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن تتحقق أية جودة ممكنة يراد بها تحقيق مطالب حقيقية، وما يتطلبه الواقع من تأثير وتكيف وإدامة زخم التواصل معه.
وبشيء من التفصيل علينا أن نعترف أننا اختصاصيون في المفاطنة سياسيًّا باتخاذ هذا الموقف أو ذاك أو التعليق على أحداث جارية، وعمومًا تأتي المفاطنة السياسية هنا مشبعة بالكثير من الشد والآنية ودفع مسؤولية التقصير عن صاحبها وإلقاء اللوم على الآخرين بما جرى لكي يبدو أمام الرأي العام منزهًا من الخطيئة ومحتلًّا لدور الواعظ الحريص على سمو المواقف وسلامة المنطلقات، أما اعتماد التفاطن إداريًّا فيمثل واحدًا من أهم مظاهر الضعف والتأخر بل والكساد الإداري بما يحول دون إنجاز العمل، كما أن التفاطن هنا يأتي في إطار أنواع من الصحوة الجزئية بين الحين والآخر وليس في إطار اليقظة والشفافية التي يتطلبها النشاط العام.
لقد ثبت وفق آخر الدراسات التي تناولت موضوع المطابقة بين مضامين العمل ونتائجه أن ما نقوم به في هذا الشأن له ارتدادات على البنية التنموية العامة التي تقتضي دائمًا الفطنة المتواصلة، وبهذا فإن الكثير من المشاريع التنموية تقع تحت طائلة هذا الاستدراك، وما يحمل من اختلاطات وشكاوى وحلول وقتية قد لا تغطي الحاجة المستقبلية. وحسبي من هذا ما تشهده الهند الآن من فطنة واضحة لحقوق المواطنين في تأمين حاجاتهم الأساسية اليومية، ومن ذلك ما قام به رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي في رفع شعار (بناء المرافق الصحية قبل بناء المعابد) وذلك لعدم وجود مرافق صحية كافية في أغلب مناطق البلاد، والفطنة نفسها وليس التفاطن هو الذي دفع خبراء الأمم المتحدة في الدعوة إلى (النفير العام) لوقف التصحر والتبدلات المناخية القاسية التي أملتها ظاهرة ارتفاع غير المسبوق لدرجة حرارة الأرض.
إن الفطنة المبكرة لها تأثير إيجابي إذا استخدمت حلولًا ناجعة لمواجهة الاختلالات الحاصلة، لأن الفطنة المبكرة تقوم أصلًا على ما يمكن اصطلاحه روح المبادرة التحسبية (الإنذار الذهني المبكر) وما يترتب عليه من حسن تدبير ومن مثابرة تحقق الكثير من النجاح، ولنا أيضًا في الفطنة المتأخرة التي بدأت ترتسم الآن في الذهن السياسي الأوروبي بعد سلسلة الأخطاء التي أمعنت فيها دول أوروبية معينة ضمن ما يعرف بخريطة الشرق الأوسط الجديد وهي تحصد الآن العطل المقصود الذي أصاب هذا العقل في محاولة استكشاف فرص للتأثير على الواقع العربي بعيدًا عن منطق الأشياء.
لقد خسر الأوروبيون رؤيتهم إزاء سوريا وليبيا وفي مناطق أخرى من الوطن العربي، أما في العراق فإن المفاطنة أصلًا ترتكز في أغلب حيثياتها على قواعد المحاصصة الطائفية والإثنية، الأمر الذي أدى إلى أن تكون وعاءً للكثير من الإخفاقات والشكوك.
وعودة إلى بدء فإن المفاطنة التي تلتقط الأخطاء من نظرة تحسبية هي القادرة فعلًا على أن تؤسس إلى ما يمكن أن نسميه الذكاء الاجتماعي العام وتأمين المزيد من الخطوات للمستقبل.