شحاتة زايد
أخي المسلم :
.. ولما انتشر الإسلام في ربوع الأرض وكثرت الفتوحات وزادت الغنائم وفتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضوان الله عليهم قالوا: إبتلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر، ولذلك نجد رب العزة جل في علاه يحذر عباده من فتنة المال والزوج والولد فيقول تعالى (يا أيها الذين أمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) ويقول تعالى: (إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فأحذروهم) وكان رسول الله ، يخطب من فوق منبره فرأى ولده الحسن بن علي رضي الله عنهما يتعثر في قميصه فنزل عن المنبر واحتضنه ثم قال (صدق الله العظيم "إنما أموالكم وأولادكم فتنة) إني رأي ابني يتعثر فلم أملك نفسي أن أخذته) ففي ذلك عبرة لأولى الأبصار فالرجل الأمثل هو من يصبر على العافية.
ومعنى الصبر على العافية أن لا يركن إليها وأن لا يرسل نفسه في الفرح بها ولا ينهمك في التنعم واللذة واللهو واللعب، وأن يرعى حقوق الله في ماله بالإنفاق، وفي بدنه ببذل المعونة للناس، وفي لسانه بتحري الصدق فيما يقول وكذلك في سائر ما أنعم الله به عليه، وهذا الصبر متصل بالشكر فلا يتم إلا بالقيام بحق الشكر، وإنما كان الصبر على الضراء أشد لأنه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة الطعام أقدر على الصبر منه إذا حضرته الأطعمة الطيبة اللذيذة وقدر عليها فلهذا عظمت فتنة السراء.
أما النوع الثاني: ما لا يوافق الهوى والطبع فهذا لا يخلو إما أن يرتبط باختيار العبد كالطاعات والمعاصي أو لا يرتبط باختياره كالمصائب والنوائب، أو لا يرتبط باختياره ولكن له اختيار في إزالته كالتشفي من المؤذى بالانتقام منه فهذه ثلاثة أقسام: الأول ما يرتبط باختيار الإنسان وهو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية فالعبد يحتاج إلى الصبر على الطاعة لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودية وتشتهي الربوبية، ويقول بعض العارفين ما من نفس إلا وهي مضمرة ما أظهره فرعون من قوله (أنا ربكم الأعلى) ولكن فرعون وجد مجالاً وقبولاً فأظهره إذ استخف قومه فأطاعوه، وما من أحد إلا وهو يدعى ذلك مع خدمه وأتباعه وكل من هو تحت قهره وطاعته وإن كان ممتنعاً عن إظهاره فالعبودية شاقة على النفس مطلقاً، ومن العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما يكره بسببها جميعاً كالحج والجهاد، ويحتاج الصابر على الطاعة إلى إخلاص النية (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) وألا يغفل عن الله أثناء عمله (نعم أجر العاملين الذين صبروا) وبعض الفعل يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للسمعة والرياء أو النظر إليه بعين العجب يقول تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ويقول (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) والطاعات تنقسم إلى فرض ونفل وقد جمعها الله تعالى في قوله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى) فالعدل هو الفرض والإحسان هو النفل وإيتاء ذى القربى هو المروءة وصلة الرحم وكل ذلك يحتاج إلى صبر.
.. وللحديث بقية.