أنس فرج محمد فرج
من أروع الأحداث في شهر رمضان والمسلمون صائمون غزوة بدر الكبرى أو العظمى كما سماها مؤرخو السير لما لها من الجلال ورفعة الشأن وكانت هذه الغزوة أولى الغزوات المشهورة في تاريخ الإسلام وكانت في السنة الثانية بعد الهجرة وكانت في شهر رمضان المبارك وكانت في اليوم السابع عشر منه وبعض المؤرخين سماها بـ يوم البطشة الكبرى أخذا من قول الله تعالى ((يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)) الدخان 16 والبعض منهم سماها بيوم الفرقان كما سماها القرآن الكريم
ولقد مضى الرسول صلى الله عليه وسلم المدة التي أعقبت الهجرة وبين هذه الغزوة في إرسال السرايا والطلائع التي أراد منها إشعار المشركين بأن المسلمين المهاجرين لم يذلوا ولم يهانوا ولم يهونوا بسبب الهجرة بل هم ما زالوا في تماسك وتعاون وأراد منها كذلك أن يعقد مصالحات ومعاهدات مع الذين يحيطون بالمدينة من جموع وقبائل حتى لا تأتيه الطعنات من الخلف إذا بدأ المعركة مع المشركين وجها لوجه كما أراد التعرض لقوافل المشركين التجارية ليستولى عليها كتعويض جزئي عن أملاك المسلمين التي استولى عليها المشركون عند الهجرة وعقبها ولقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في السنة الأولى للهجرة عمه حمزة بن عبد المطلب ومعه ثلاثون فارسا من المهاجرين إلى ناحية تسمى (العيص) بالقرب من ساحل البحر الأحمر ليعترض طريق قافلة كانت ذاهبة إلى الشام يقودها عدو الله وعدو رسوله وعدو الإسلام والمسلمين أبو جهل
وفي شوال من السنة نفسها بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث ومعه ثلاثون رجلا في سرية بلغت ماء بأرض الحجاز بأسفل (ثنية المرة) للاستطلاع والاستكشاف وفي بداية السنة الثانية خرج النبي بنفسه مع عدد من المسلمين حتى بلغ قرية (ودان) وعقد مصالحة مع قبيلة بني ضمرة وكتب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كتابا يقول (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبنى ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من رامهم (أي هاجمهم) إلا أن يحاربوا في دين الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصر أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله وقضى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السرية خمسة عشر يوما ثم أقبلت بوادر الغزوة الكبرى في شهر جمادى الأولى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة تجارية ضخمة للمشركين الباغين المعتدين قد أخذت طريقها نحو الشام وفيها ما قيمته خمسون ألف دينار وقد حملها ألف بعير ويقودها أبو سفيان بن حرب الذي كان زعيما للمشركين في ذلك الوقت وقد أسلم فيما بعد عند فتح مكة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نحو المائتين من أصحابه ليقطع الطريق على قافلة الأعداء في مقابل ما استولوا عليه من أموال المسلمين المهاجرين من ديار وعقار وأشياء أخرى وسار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى وصل إلى مكان يقال له العشيرة وهناك علم أن القافلة قد مرت قبل وصوله (وحالف النبي في هذه الرحلة قبيلة بن مدلج) وفي شهر رجب أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن محسن الأسدي مع مجموعة من المهاجرين وأعطاه كتابا مختوما وأمره ألا يفتحه إلا بعد يومين من سيره في الطريق الذي عينه له النبي صلى الله عليه وسلم وبعد اليومين فتح عبد الله الكتاب فوجد فيه (إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد لنا قريشا وتعلم لنا من أخبارها
وأرسل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اثنين من أصحابه هما طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد ليستطلعا أخبار القافلة ويترقبا عودتها حتى يخبر الرسول عند اقترابها ليخرج إليها فمضى الصحابيان ونزلا فى مكان يسمى الحوراء ولما علما باقتراب القافلة سارعا بإخبار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عنها وانتهز النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة واستخدم عنصر السرعة فاستدعى الحاضرين من المسلمين ليشاورهم وقال لهم هذه عير قريش فيها أموالكم فاخرجوا إليها عل الله ينفلكموها أي يجعل ما فيها أنفالكم أي غنائم مباحة فاستجاب فريق من المسلمين للخروج ولم ينشط فريق آخر وذلك لأن الرسول لم يفرض عليهم وظن الباقون أن الأمر لا يزيد على مهمة الاستيلاء على القافلة وهى مهمة يسيرة لأن القافلة محروسة بنحو أربعين رجلا وكان مع النبي في هذا اليوم نحو ثلاثمائة وخمسة ومعهم سبعون بعيرا وكانوا يشتركون فى ركوب الإبل بالتناوب واشترك النبي صلى الله عليه وسلم مع على بن أبى طالب وآخرين فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اركب ونحن نمشى عنك يا رسول الله فرفض النبي صلى الله عليه وسلم وأصر أن يأخذ حصته من المشي وقال لهم ما أنتم بأقوى مني وما أنا بأغنى منكم عن الأجر ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه المكان الذي من المفروض أن تمر منه القافلة علموا أن قائدها أبا سفيان قد نجا بها لأنه سلك طريقا آخر غير الطريق المعتاد.
.. ولنا مع الأحداث الرائعة رمضان تكملة في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.