[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
غالبا ما تنزوي الأمور الهامة في زوايا بعيدا عن أعين الكثيرين، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال أن العتمة يجب أن تبقى تلف تلك الزوايا، وأن الحديث عن مسألة البحث العلمي في الدول والمجتمعات اليوم، اصبح مهما لدرجة كبيرة وقد يتفوق بأهميته على جميع جوانب الحياة الاخرى، لأنه بكل بساطة يشمل في تفاصيله – أي البحث العلمي- جميع مفاصل الحياة في كل الدول والمجتمعات وبدون استثناء، وبدون البحث العلمي فلا تطور حقيقي ولانهضة جوهرية، وأن كل ما يحصل سيبقى يدور في محيط المستورد من الأفكار والمنتجات، وكل مستورد يدخل في عالم الاستهلاك وكل مستهلك قادم من الخارج يخدم في نهاية المطاف الجهة التي اخترعته وطورته وقدمته للاخرين.
ومنذ عقود والعقلاء يتحدثون عن أزمة حقيقية يعيشها البحث العلمي في الوطن العربي، وقبل المقارنة بحجم الاهتمام العالمي بالبحث العلمي لابد من القول أن غصة الحكماء في مناقشاتهم لهذه القضية تنطلق من مسألتين اساسيتين، هما:
الاولى – أن البحث العلمي يدرّ على الدول ثروات طائلة في مفاصل تنموية هامة، وأنه ليس ترفا وتفاخرا فارغا وتوغلا في مفاهيم ودهاليز لا تفضي إلى شيء كما يعتقد الكثيرون، وأن نتائج البحوث العلمية في مختلف مناحي الحياة تأتي بمردودات هائلة تصب جميعها في خانة التطور والتقدم الذي تتسارع خطاه في العالم واصبحت الامم والشعوب بحاجة ماسة إليه، وما يدفع بالبعض للبحث في معضلتنا في البحث العلمي، توفر الاموال في ميزانيات غالبية الدول العربية وأن اكثرها يتم صرفه على المظاهر الفارغة والاسلحة الفاسدة.
الثاني: وهو الاهم، أن العقول العربية اثبتت أنها متفوقة وقادرة على الابداع في مختلف مناحي الحياة، وهذا ما تؤكده ابحاث العلماء العرب في الكثير من جامعات العالم، ورغم تشظي هذه الكفاءات في مشارق الأرض ومغاربها إلا أن إبداع هؤلاء لا يمكن اخفاءه بالغربال لأن سطوعه واضح في المحافل العلمية والجامعية في كل مكان، وأن الاهمال قد ضرب اركان الكثير من العقول العربية التي اضطرت للبحث عن مصدر للعيش في هذا البلد أو ذاك قبل أن تستغرق في تخصصاتها العلمية وتبدأ رحلة البحث عن الجديد في عالم الاختراعات والاكتشافات، ورغم غياب الاحصاءات الدقيقة عن حجم الكفاءات العربية في كل تخصص، ونسبة ما هو مستثمر منها في ميدان البحث العلمي، إلا أن نظرة سريعة على هذه القضية يعطي انطباعا عن اهمال واسع للطاقات وأن غالبية هذه القدرات تدور في زوايا بعيدة عن الاماكن التي يفترض أن تكون ساحات نشاطاتها الدائمية.
مهما قيل عن تأخر البحث العلمي في الوطن العربي فأنه لا يرقى إلى مستوى الهزيمة التي يعيشها مجتمعنا بسبب هذا الاهمال الذي لا يستبعد أن يكون متعمدا أو مرسوما، لكي نبقى في زوايا معتمة ومعتمة فقط.