لا يمكن النظر إلى مقترح الرئيس الروسي بوتين في جمع الأضداد ضد قضية واحدة، أي جمع الدول والقوى التي تتعرض للإرهاب وتقاومه مع الدول والقوى التي تحتضن هذا الإرهاب وتمده بعوامل القوة والحياة والتمدد، إلا على أنه مقترح لامعقول. فيما المعروف أن بوتين رجل فن السياسة، أي فن الممكن، والفاهم الواقعي لما يدور في المنطقة، إضافة لمعرفته بطبيعة القوى المؤيدة والمعارضة للإرهاب بكل أشكاله.
إنها مفاجأة ما أطلق عليه بوتين جبهة مكافحة الإرهاب. ومن الوهلة الأولى، ظننا أنه خطأ مطبعي، لكن كثافة أخبار المقترح، طالت التفكير به، بين مصدق وعدم مصدق، بين ما إذا كان هنالك مسؤول آخر غير الرئيس الروسي من اقترح، وبين أن يكون هو بالفعل.
لاشك أن الواقعية للتعاطي في مايجري من اعتداء على سوريا وعلى العراق وعلى بقية العالم الذي تقوم به قوى إرهابية، هي في تجميع القوى المناهضة لها في سلة واحدة، بل توجب الضرورة وخصوصا أولئك الواقعين تحت ضربات الإرهاب، والمرشحين ليكونوا تحت رحمته إذا مانجح في بسط هيمنته، أن يختاروا سريعا الوحدة الميدانية والسياسية لمقاتلته، وأن يوجدوا من أجل ذلك تجمعا واحدا على مستوى الكرة الأرضية يهدف إلى التخلص من هذا الشكل الوحشي الذي بدأ يعم العالم، ويهدده بشكل مباشر، وإذا كانت سوريا والعراق وبلدان أخرى قد حط فيها هذا الإرهاب وتمادى، فإن من التفكير بمكان، أن النقلة الأخرى له ستكون مناطق إسلامية أخرى أو مناطق يكون المسلمون في عداد شعبهم. ومن يطلع على طروحات هذا الإرهاب ومضامينه، سيجد كم لديه من الخطط ليكون عالميا، وتحت مسمى لايمت للواقع بصلة ولا للإسلام أيضا، وبالتالي فإن هذه التسميات والشعارات التي ترفعها المنظمات الإرهابية، ماهي سوى توليفة كاذبة لغسل عقول أجيال وشعوب يغريها ذلك النوع من التسميات والشعارات، ويدفعها إلى الانخراط دون تفكير بعواقب الأمور وبالواقع الذي سيمثله لاحقا.
ولاشك أن الرئيس الروسي بوتين المهتم بمحاربة الإرهاب وبمحاولة منعه من الوصول إلى بلاده، مع أن نسبة مهمة من مقاتلي هذا الإرهاب في سوريا والعراق هم من بلاده أيضا، فإن الاقتراح الذي تقدم به والذي ترك اسئلة حيرى، تم دفنه في لحظته، لأنه خارج إطار الواقعية، ومع المعرفة الوثيقة بعقل الرئيس الروسي وقدرات المناورة لديه، فإنه حتى اقتراح كهذا يتجاوز معنى المناورة ليصبح عبثيا، بل من المستحيل وغير المنطقي أن نطلب تجميع المقاومين للإرهاب مع داعميه. فأغلب الأطراف التي طالبها الرئيس الروسي الدخول في تحالف مع سوريا لمحاربة هذا الإرهاب هي الداعم والحاضن لهذا الإرهاب الذي تسميه معارضة سورية وتصنفها (معتدلة ومتطرفة).
إن أصدقاء روسيا، وأولئك الذين تربطهم بها مصالح محددة، قد تفاجأوا جميعا باقتراحه، ولهذا كانت ابتسامة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي خرج لتوه من الاجتماع به، كانت كمن لم يصدق ماسمع، أو لم يتمكن المترجم من الروسية أن يقول الكلام الصحيح. لكنه كأي اقتراح، عبر وصار من الماضي، ومن ثم تم نسيانه في لحظته.