اعداد ـ هلال اللواتي:
ولو أردنا أن نستعرض ما جاء في الأدعية الشريفة في كيفية تعامل "الله" تعالى مع العباد لأذهلنا الأمر، ولأدهش أرباب العقول، ولأطار لب من في قلبه الإنسانية، ولما كان المرء ملوماً في عشقه لله تعالى وفي حبه، فنترك إيرادها لضيق المجال.
المحصلة النهائية .. "الرحمة" هي "الأصل الأولي": فالمحصلة النهائية التي نستخلصها من إيراد الآيات والروايات الشريفة هي: أن المنهج الذي رسمه الله تبارك وتعالى بكتابته على نفسه هو منهج "الرحمة"، فإن كل ما سوف يتعامل الله تعالى به مع العباد سيكون منطلقاً من هذا المنهج، وهو يؤكد لنا باستحالة الحيادة عنه، فبناء عليه ننتهي إلى أن الأصل الأولي الذي يعتمده الله تبارك وتعالى في هذه المسألة هو: "الرحمة"، فالأصالة هي "أصالة الرحمة" في الوجود.

تساؤل حول ما إذا كان "الرسول" على نفس منهج "المرسِل" ورؤيته: وهنا يرد هذا التساؤل المهم:
فبما أننا انتهينا إلى أن الأصل الأولي الذي يعتمده الله تعالى في تعامله مع سائر عباده ومنهم هذا الإنسان هو :"الرحمة"، وأن لهذا الأصل لوازم عديدة، فمنه سيرد هذا السؤال وبهذه الصيغة الاعتيادية التي لو طرح فإنه سيطرح بهذه الكيفية، ويصاغ بهذه الصيغة وهي:
- أهل أنبياء الله تعالى يعتمدون نفس منهجه سبحانه أم لا؟!!.
- أهل رسل الله تعالى يسيرون على ذات الأصل الأولي؟!!.
إلا أننا نجد ضرورة استبدال الصيغة بصياغة أخرى، لعلتين:
الأولى: كي يُحافظ التسلسل الهرمي على نسقه ورتابته المنطقية، فإننا نجد أن طرح مثل تلكم الصيغة قفزة على التسلل الفكري المنطقي الذي يفرضه منطق البحث، وهو مشعر بجهوزية النتيجة قبل استكمال مقدماتها الضرورية، ومثل هذا العمل لا يقبله العقل ولا المنطق، ويمجه العقلاء.
الثانية: إن ما تصنعه الصياغة من انطباع تبادري في الذهن يؤثر على تصور المطلب، ومنه تتأثر القناعة التي تُعتمد عادة في صناعة الرؤية المعرفية، وصناعة الإيديولوجية العقدية لدى المرء، وهو يفرز بطبيعته على السلوك التعامل النوعي.
وأما الصياغة التي سنختارها هي الآتية: فبما أن الله تعالى بين من خلال كتابه العزيز بأنه لا يتعامل مع العباد إلا من منطلق الرحمة، فإن هذا الكتاب العزيز ليس كتاباً متجسداً كي يتمكن من ترجمة ذلك في العالم الخارجي، ويظهر هذه الرحمة الإلهية في العالم التطبيقي، وفي العالم الإجتماعي، وفي عالم الطبيعة، فضرورة ظهور هذه الرحمة في الحيز الوجودي أمر يفرض وجوده، فإن مجرد وجود كتابة غير كافية لإقناع المقابل بأن الله تبارك تعالى يعتمد المنهج الرحموي في تعاملاته مع العباد، فلابد من ترجمة هذه الحقيقة في الحيز الخارجي، فكيف ترجمت هذه الحقيقة في العالم الخارجي؟!، وكيف يمكن لهذه "الرسالة الإلهية" أن تتحقق في الحيز الإجتماعي؟!!، وكيف يمكن لها أن تنزل إلى ساحة الإنسان لعلاج مشكلته الإجتماعية؟!!، فإن من البديهي أنها لوحدها غير قادرة على إنجاز هذه المهمة العملاقة، إذ إن القانون التشريعي بما هو نصٌ ، وهو وإن كان يحمل دلالات الحقائق الوجودية إلا أن لسانه لسان الإعتبار، وهذا ما يجعله أن لا تكون فيه مقومات الحركة، وهو أمر بديهي، فهذا ما سوف نتعرف عليه إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة..