اعداد ـ علي بن عوض الشيباني
أيها الصائمون والصائمات:
الإمساك عن الطعام والشراب: وهو المرتبة الدنيا من مراتب الصيام .. ويسمى "صوم العموم"
وهي طاعة يقول عنها الحبيب محمد ( صلى الله عليه وسلم) : ((والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه من أجلي كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به))
كما أنها طاعة تدرب النفس على كسر شهواتها ... وكبح جماحها ... وتشعر المسلم بألم الجوع والحرمان الذي يعانيه الفقراء والمساكين ... بل وفيها من الفوائد الصحية ما يغني عن كثير من الأدوية ..
يقابل هذه الطاعة العظيمة آفة خطيرة: هي أن الكثير من الناس جعلوا رمضان موسماً للأكل والشراب ..
فتجد الكثير من الناس يأكل في رمضان ضعف ما يأكله في غير رمضان .. وينفق على شراء الأطعمة في رمضان أضعاف ما ينفق في بقية الأشهر ...
تجدون هؤلاء الناس يتسابقون على معارض الشهر الكريم ... تلك المعارض التي تجمع فيها أصناف المآكل والمشارب ... فلا يأتي رمضان إلا وقد ملئت المخازن...
ثم إذا ما جاء رمضان .. تعال وانظر إلى حال صاحبنا .. وهو يوصي أهله بإعداد الأصناف المختلفة من المطاعم والمشارب ... ويظل يتردد طول نهاره بين البقالات والمطاعم .. ليجمع منها كل ما لذ وطاب .. من طعام وشراب ... فإذا ما أذن مؤذن المغرب .. تراه منكباً على طعامه وشرابه دون حساب ... هؤلاء وأمثالهم صدق في وصفهم من قال:
وأغبى العالمين فتى أكــول *** لفطنته ببطنته انــــهزام
ولو أني استطعت صيام دهري *** لصمت فكان ديـدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قــوم *** تكاثر في فطورهم الطعــام
فإن وضح النهار طووا جياعا *** وقد هموا إذا اختلط الظـلام
وقالوا يا نهار لئن تــجعنا *** فإن الليل منك لنا انتـقـام
وناموا متخمين على امتـلاء *** وقد يتجشئون وهم نــيام
فقل للصائمين أداء فــرض *** ألا ما هكذا فرض الصـيام
أما صوم الجوارح : وهو المرتبة الوسطى من مراتب الصيام .. ويسمى " صوم الخصوص"
تصوم اليد عن المعاصي ؛ فلا تبطش .. ولا تسرق .. ولا تضرب ..
وتصوم الرجل عن المشي إلى المعاصي ...
و يصوم اللسان عن الكذب .. وقول الزور .. والنميمة والغيبة .. والسب .. والجدال ..
وتصوم الأذن عن سماع الحرام ..
وتصوم العين عن النظر إلى العورات .
وصدق رسول الله حيث قال : ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصوم من الشراب والطعام وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو.
وقال جابر بن عبد الله: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأتم، ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء).
يقابل هذه الطاعة الجليلة آفة كليلة: هي أن كثيراً من الناس لم يفقهوا حقيقة الصيام .. فامتنعوا عن الطعام والشراب في نهار رمضان .. ولم يمنعوا جوارحهم من الخوض فيما يجرح الصيام ..
العجب كل العجب : أن تجد صائماً يكذب .. ويقول الزور .. ويسعى بالنميمة ... ويأكل لحم أخيه ويدعي أنه صائم ...
يظلم ... ويغش .. يضرب ويسب ... يبطش و يسرق .. يتتبع العورات .. وينظر إلى المحرمات ..
إذا لم يكن في السمع مني تصــامم *** وفي مقلتي غــض،وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما *** وإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
يا مديم الصوم في الشهر الكريم *** صم عن الغيبة يوما والنمــيم
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى *** وقبل الصوم صم عن كل فحشا
ويجب علينا استغلال الوقت في العبادات والطاعات .. من صلاة وقيام .. وصدقة وإطعام ..وقراءة القرآن ..وذكر الواحد الديان ...
ذلك لمن عرف قدر رمضان ... وعرف خصائص رمضان ..
فالمسلم يعلم أن : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه )
والمسلم يعلم أن : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
والمسلم يعلم أن من عمل خصلة من خصال الخير في رمضان كان له بها أجر فريضة.
والمسلم يعلم أن في رمضان ليلة هي خير الليالي ، وأن عبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر .
والمسلم يعلم أن عمرة في رمضان كحجة مع الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) .
كل هذا يعلمه المسلم .. ويعلم غيره الكثير من فضائل هذا الشهر الكريم ... لذا تجد هذا المسلم حريصاً على وقته في رمضان .. لا تضيع عليه لحظة من لحظاته في غير عبادة أو طاعة ..
وفي مقابل هذه الطاعة آفة : تضييع الأوقات في رمضان .. بين نوم و جولات في الشوارع نهاراً ..ولعب ولهو وسمر أما الأفلام والمسلسلات ليلا..

أيها القراء الأعزاء:
هنا مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول فيها الحبيب : البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت ..
اعمل ما شئت كما تدين تدان ... كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون...