إعداد ـ هلال اللواتي:
إطلالة على "الرسالة" و "الرسول": وأول ما سوف نتحدث عنه هو: إطلالة على "الرسالة": قد تبين بأن العلاقة بين "المرسِل" و "المرسل" علاقة السنخية، والرابطة اللزومية الأكيدة، فلا يمكن تصور رسالة الباري جل جلاله أن تحمل فكراً لغيره سبحانه، ولا أن يكون فيها ما لا يريده الله تعالى، ولا أن تكون ناقصة لأُممها، أو أن تكون مختلة الأفكار والرؤى، أو أن تكون بإسلوب غير حضاري، لأن مجرد القول أن هذه "رسالة الله" فإن المتبادر إلى الذهن بداهة؛ أن هذه الرسالة تحوي على جميع ما يريده، وتعرفنا عليه، ويمكن الاعتماد عليها لعلة وهي أنها صدرت منه سبحانه، ومبدأ السنخية خير برهان.
السنخية بين صفات الكمال الإلهي وبين عالم الكتاب والشريعة والرسالة: فإذا كانت السنخية توجب المسانخة بين العلة والمعلول، فإن الرسالة والكتب السماوية معلولة للصفات الكمالية للباري سبحانه وتعالى، فما يصدر منه سبحانه وتعالى من إرادة وطلب يتجلى في عالم التشريع التدويني، وهو ليس أجنبياً عنه سبحانه وتعالى، بل هو من سنخ كماله وتجلياته الجمالية، فبناء عليه لا يمكن فصل "الرسالة" عن مصدرها، ولا يمكن سلخ "الكتب السماوية" عنه صانعها، فهي في الحقيقة تجلي من تجلياته سبحانه وتعالى، وقد سبق وأن أوردنا هذه الرواية الشريفة:" الإمام الصادق عليه السلام:"لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون" ، ولذكر لفظ الجلالة معنى ودلالة عظيمة، فإن لفظ الجلالة "الله" هو إسم يدل على مقام جمع الجموع، الجامع لجميع الإسماء والصفات الكمالية، فلما أن يضاف إليه شئ فإننا نلحظ في هذه الإضافة الرابطة التكوينية الحقيقية، والتي هي من معالم السنخية، فلما أن يقال:"كتاب الله"، فهو بناء على قانون السنخية والرابطة الوجودية يكون هذا الكتاب حاوٍ على ما للفظ الجلالة من معان ودلالات جميعها.
علماً بأن مثل هذا البحث من البحوث المهمة في المقام، ولها نتائجها المدرسية التي تنعكس على المستوى الإيديولوجي، وهي بدورها تلبس سلوك متبنيها ثوبها ولبسها، فتتعامل أفرادها مع القرآن الكريم تعاملاً فريداً.
إشارةٌ مهمةٌ جداً: بناءً على رسمناه في هذا البحث من ضرورة الإختصار على المسائل المتعلقة به، فتجدر الإشارة هنا إلى مسألةٍ مهمةٍ جداً، وهي:
- أن الكتاب السماوي لما أن ينزل، وتلحظ فيه السنخية، فكيف يمكن تصور تلكم المعارف الغيبية العالية أن تنزل في "كتابٍ" واحدٍ؟!!.
الجواب: ينبغي ملاحظة عدة أمور، منها:
أولاً: مراتب الكتب في حملها لهذه المعارف الغيبية العالية.
ثانياً: الإختزال.
ثالثاً: الرمزية.
فلكل كتاب سماوي مراتب تنزلية، وهي في حملها لتلكم المراتب على درجات طولية كما هو متعارف عليه، ويمكن تصور المراتب التنزلية بنحوين:
النحو الأول: التنزل التكميلي، وهو المتصور عليه عامة بكون الكتاب اللاحق يكمل مفردات ومفاهيم وأحكام الكتاب السابق.
النحو الثاني: التنزل العمقي، وهو السير في عمق المعارف الإلهية، لتكون قادرة على استيعاب احتياجات البشر على الإطلاق.
وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى.