[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
دائمًا ما تتموضع السياسة الصهيو ـ غربية وتتكيف وفق ما يستجد من معطيات وتطورات، إلا أنها لم تكن قادرة على التموضع السهل والانتقال السريع مثلما هو حالها الآن الذي أتاحه لها "الحريق العربي" وما ركِّب فيه من إرهاب وفوضى، وراهنت عليه في تمهيد الأرضيات المناسبة لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية والتخريبية والتدميرية والتفتيتية.
وحين أخرجت الاستخبارات الأميركية والبريطانية وثالثها الموساد الصهيوني من جعبتها فكرة إنتاج "داعش" الإرهابي والضغط على بدو وأعراب لإنجاح الفكرة وتولي تمويلها بالمال والفتاوى والتكفيريين والمرتزقة، كانت قد وصلت إلى قناعة أن التدافع السياسي الناعم لن يؤتي أكله ولن يقيم مشروعًا استعماريًّا متكاملًا ولو جزءًا منه في الوقت الذي تتغير فيه خريطة الصراعات والمواجهات، وتعلن فيه عن اكتشافات جديدة وهائلة عن مصادر الطاقة، كما لن يكون كيان الاحتلال الصهيوني (رأس حربة الاستعمار الغربي) في مأمن في ظل التحول الكبير على مستوى الفكر والثقافة ووسائل المواجهة والذي بدأت إرساءه المقاومة للاحتلال الصهيو ـ غربي، حيث أخذت تتعزز ثقافة المقاومة لدى السواد الأعظم من الشعوب العربية خاصة بعد نجاح المقاومة اللبنانية في تحقيق أول انتصار تهديه للأمتين العربية والإسلامية في العام 2001م، وكذلك المقاومة العراقية للاستعمار الأنجلو ـ أميركي، ثم المقاومة اللبنانية 2006م والمقاومة الفلسطينية وصمودها أمام أعتى آلة حرب صهيونية، ما شكل انعطافة حقيقية لدى الشعوب العربية والإسلامية وحتى لدى بعض شعوب العالم الحرة التي بدأت تقاسم الشعوب العربية نظرتها وتساندها في فضح جرائم الحرب الإسرائيلية المدعومة غربيًّا.
اليوم وعلى وقع التحول المعاكس والمضاد الذي جاء به "الحريق العربي"، غدت المنطقة كطريدة بين أنياب المستعمر الصهيو ـ غربي تمكن من اصطيادها بسواطير إرهاب "داعش" الذي يعد من أفخر ما وصل إليه الفكر الاستخباري الصهيو ـ غربي، حيث يتناوب كل مستعمر على الطريدة ليأخذ نصيبه منها بعد أن يطلب من صنيعته "داعش" ليقتطع له منها ما يريد.
وإزاء هذا اليقين، نلحظ من بعيد وقريب الإشارات التي أومأ بها البريطاني والصهيوني الخبيثان إلى "داعش" ليحجز لهما مكانًا يمكنهما من أخذ نصيبهما من الطريدة، ويتبدى ذلك من خلال:
أولًا: تحرك حكومة ديفيد كاميرون لأخذ موافقة البرلمان على شن هجمات في سوريا بذريعة ضرب "داعش" انتقامًا على جريمته التي ارتكبها بحق الرعايا البريطانيين في مدينة سوسة السياحية التونسية، وأن "داعش" لا يعترف بحدود، حيث وجَّه وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون الذي دعا نواب مجلس العموم الخميس الماضي إلى التوافق على السماح بشن غارات جوية على تنظيم "داعش" في سوريا. وكان النواب البريطانيون سمحوا الخريف الماضي بغارات في العراق، والانضمام إلى التحالف الدولي الذي يقاتل التنظيم الإرهابي في هذه المنطقة، لكن ليس في سوريا. وزعم فالون أن "رئيس الوزراء يأخذ في الاعتبار تحفظات بعض النواب ولن يطرح أي اقتراح في هذا المعنى إذا لم يتوفر التوافق". لكن لاحظ الخبث أين يكمن، فقد أشار الوزير نفسه إلى أن الحكومة لن تستشير البرلمان قبل أن تشن غارات، في حال "تعرض المصالح الوطنية البريطانية العليا للتهديد أو لتدارك كارثة إنسانية". وطبعًا ما أسهل في العمل الاستخباري اصطناع ذريعة يتم بها تجاوز البرلمان. وهذا ما يؤكد ما كنت ذكرته في المقال السابق أن هجوم تونس أُعد له بعناية واختير له ضحاياه بعناية. فإذا كانت الولايات المتحدة تريد الضغط على حكومة الباجي قائد السبسي لتسريع إنهاء الإجراءات الفنية لإقامة قاعدة أميركية تكون منصة متقدمة لحلف شمال الأطلسي لإدارة عمليات التجسس والتدخل والمراقبة والإرهاب والانقلابات في شمال إفريقيا والجزائر وليبيا ومصر وغيرها، فإن بريطانيا تسعى لاتخاذ هجوم تونس ذريعة لمد عملياتها العسكرية لتشمل سوريا، وهذا من المؤكد له دلالاته بالنظر إلى التكاليف الكبيرة للطلعات الجوية وقصف الأهداف.
وفي التقدير، إن الاستعمار البريطاني يشعر بنوع من الغيظ والحقد وهو يرى نظيره الفرنسي تنهال عليه مليارات البترودولار في صورة صفقات تسلح لطائرات رافال ومشاريع اقتصادية واستثمارية تبلغ عشرات المليارات من الدولارات، ولذلك يريد البريطانيون الدخول على خط المنافسة والابتزاز والتسويق لأدوار جديدة لأخذ غنائمهم مثلما غنم الفرنسيون، ما يعني أن قصعة المنطقة مُقْدِمة على تكالب ساخن من أكلتها.
ثانيًا: محاولة كيان الاحتلال الإسرائيلي توظيف الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم "داعش" الإرهابي في سيناء مستهدفًا القوات الأمنية المصرية هناك، لصالح مشاريعه التآمرية والاستعمارية وضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من مدخلين: الأول اتهام حركة حماس بالضلوع في هجمات سيناء. والثاني الزعم بأن صاروخين أطلقهما داعش من سيناء باتجاه مستعمرة أشكول جنوب الكيان المحتل. وهذان المدخلان لهما أهداف كثيرة يريد كيان الاحتلال الصهيوني تحقيقها من خلالهما، من ناحية المباشرة الفعلية لوضع الذرائع والمبررات القوية في استكمال المخطط الذي يستهدف عموم المنطقة، وذلك باستخدام الإرهاب الداعشي المدعوم صهيو ـ غربيًّا وإقليميًّا ومن بعض العرب؛ إما لصب المزيد من الاستعداء بين مصر وحماس، واستدراج الجيش المصري في حرب استنزاف مع حماس و"داعش" معًا، وإما لإنجاح ما نادى به المحتلون الإسرائيليون من تحالف مع الأردن ومصر ودول الخليج "المعتدلة" لمواجهة إرهاب داعش و"حماس". وفي حال عدم تحقق ذلك، فإن الوصفة الذرائعية جاهزة وهي إدخال تنظيم "داعش" إلى قطاع غزة ودعم إرهابه ضد فصائل المقاومة في القطاع بهدف استنزافها من ناحية، واتخاذه ذريعة لشن عدوان على قطاع غزة بحجة محاربة الإرهاب، وتسويق المزاعم الإسرائيلية بأن هناك أكثر من إرهاب اجتمع في القطاع (داعش وحماس وبقية فصائل المقاومة). والمقطع الذي بثه تنظيم "داعش" وظهر فيه ملثم يتوعد فيه حماس وقطعها من جذورها واصفًا قياداتها بالطواغيت، ما هو إلا مقدمة لحفلة جنونية دموية ضد المقاومة الفلسطينية، فما يفعله "داعش" الإرهابي في الدول العربية هو لخدمة الصهيونية العالمية واستعمارها الفكري والثقافي والإنساني، ولخدمة الاستعمار الغربي قديمه وجديده. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل أدركت حماس فداحة خطئها بتنكرها لداعميها وحاضنيها ونعني بهم سوريا والمقاومة اللبنانية؟ وهل ستعترف أن ما يستهدف سوريا ولبنان والعراق وليبيا وغيرها هو مؤامرة وأن المقاومة فلسطينية كانت أو غير فلسطينية هي في صميم الاستهداف؟