احتلت الكتب مكانة كبيرة عند العرب، فقد أقبلوا على اقتنائها بشغف كبير، وكان يقاس ثراء الناس في ذلك الوقت بما يملكونه من كتب أو مخطوطات، وليس هناك أكثر شهرة من دار الحكمة في بغداد الذي أنشأه الخليفة وهو عبارة عن مكتبة ضخمة، ونمت دور الكتب كما ينمو العشب في الأرض، فهناك مكتبة أنشئت في النجف في العراق على الرغم من صغر حجمها إلا أنها تحوي أكثر من أربعين ألف مجلد في القرن العاشر. بينما لم تحو أديرة الغرب سوى اثني عشر كتابا ربطت بالسلاسل خشية ضياعها، ولا نزال في العراق ففي مدينة الري كان لكل مسجد مكتبته الخاصة، بل لكل مستشفى يستقبل زواره قاعة فسيحة صفت على رفوفها الكتب الطبية الحديثة الصدور، تباع لتكون مادة لدراسة الطلاب ومرجعا للأطباء، وحكي انه لما شفي سلطان بخارى محمد المنصور من مرضه العضال على يد ابن سينا كافأه السلطان على ذلك بأن سمح له أن يختار من مكتبة قصره ما يحتاج إليه من الكتب لدراسته، يقول ابن سينا عن هذا (وهناك رأيت كتبا لم يسمع أغلب الناس حتى بأسمائها)، ولم يكد ابن سينا يغادر قصر السلطان حتى اشتعلت النيران فيه فقضت على هذه الكنوز العظيمة ولنا أن نتخيل الحزن والألم الذي أصاب ابن سينا جراء ضياع هذه الكتب القيمة.
ولكن لا يستطيع أحد أن يقارن نفسه بالخليفة العزيز في القاهرة، فقد حوت مكتبته على مليون وستمائة ألف كتاب، فكانت بذلك أجمل وأكمل دار للكتب ضمت 6500 مخطوطة في الرياضيات، و1800 مخطوطة في الفلسفة.
- ومن طرائف ما ذكرته الكاتبة أن القيصر فردريك الثاني كان يصحب معه في جولاته الكتب على ظهور الجمال وقد تعلم هذا من أساتذته العرب.
- وهذه الكتب لم تكن مطبوعة على آلة، بل نسخت باليد وبذل فيها كاتبوها مجهودا مضنيا، دام أشهرا طويلة وأحيانا بضع سنوات، وكانت غالية الثمن، أما في عصرنا الحديث فهناك الآلات الحديثة لطباعة الكتب في مدة قصيرة نسبيا وبسهولة كبيرة بلا عناء ولا تعب.
وأصبح نسخ الكتب مصدرا مهما لكسب العيش للعديد من الناس، فقد أصبح النساخ والخطاطون فنانين مهرة في فنهم، ووظفت كل مكتبة للكتب عددا من هؤلاء وكان أغلبهم من الطلبة سلكوا هذا الدرب طلبا للرزق، وانتشر منتجو الورق بطواحينهم في سمرقند وبغداد ودمشق وفلسطين، وتأثر المجلدون بفن التجليد الصيني الذي عرف بجمال تصاميمه والوانه الزاهية. وكانوا يستخدمون جلود الغزلان والماعز للكتابة عليها، وعرف الناس قوما آخرين سموا بالدلالين، كانت مهمتهم بيع النادر من الكتب وشرائها، فكانوا يجوبون المدن ويزورون كل تاجر للبحث عن النادر منها والإطلاع على آخر ما أنتجه الفكر العربي تأليفا وترجمة. فكانوا همزة الوصل بين تجار الكتب في العالم العربي.
إن حب الكتب والشغف بها لم يكن يقتصر على العلماء والأدباء فالأمير اسامة بن منقذ الفارس الشجاع والرجل السياسي المحنك فقد أعز ما يملك كتبه على يد الصليبيين الذين سلبوا كل ما يملك وكانت أربعة آلاف مجلد فهو يقول في مذكراته" إن خسارتي لكتبي ألمتني ألما شديدا، لقد كانت أربعة آلاف مجلد ، ولكنها كتب قيمة، وغدا فقدها باعث حزني طوال حياتي".
في إحدى القنوات الفضائية شاهدت تقريرا أعجبني عن سائق سيارة أجرة كان صاحب فكرة رائعة وهذا في إحدى الدول العربية أنه أعد في سيارته مكتبة صغيرة وجهزها ببعض الكتب تكون في المقاعد الخلفية جيوب مخصصة لوضع الكتب وذلك لقطع الملل عن الركاب وقضاء الوقت مع خير جليس .
ـ وفي وقتنا الحاضر هناك معارض سنوية للكتاب أحدث الإصدارات والمنافسة على أشدها بين دور النشر المختلفة، آلاف العناوين في شتى العلوم والمجالات، كتب عربية وأخرى باللغات الأجنبية، وهذا يعد تشجيعا للجميع على حب الكتاب والقراءة وعدم إهماله، أو كما يفعل البعض أصبح الكتاب ديكورا جميلا على الأرفف، لماذا نسينا أول كلمة سمعها نبينا محمد من الوحي وهو في غار حراء (اقرأ).
ـ وعلينا أن نغرس في أبنائنا حب الكتاب وذلك بالمحافظة عليه وعدم تمزيقه ورمي أوراقه أيا كان نوع الكتاب، وثانيا قراءة القصص البسيطة التي تناسب أعمارهم.
ـ وإنشاء مكتبة في المنزل تحوي كتبا في مختلف المجالات ومجلات وكتب للأطفال تشجع الطفل للقراءة والتي يجب أن تعطى الاهتمام الكافي من قبل الوالدين. فنحن في عصر التطور والتكنولوجيا الحديثة التي دخلت كل البيوت فلا يكاد يخلو منزل من الحواسيب المحمولة والهواتف النقالة التي غزت حياتنا وهذا كله سحب البساط من الكتاب .

عزة بنت محمد الطوقية