يوسف بن ابراهيم السرحني
الحالة الثالثة: الهم بالحسنة وعدم العمل بها، فلهذه الحالة صورتان:
الصورة الأولى: حال بينه وبين العمل بالحسنة حائل خارج عن إرادته، ففي هذه الصورة له أجر نيته، وثواب قصده؛ أي تكتب له حسنة كاملة، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا شركوكم في الأجر حبسهم العذر" رواه مسلم.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " من أتى فراشه، وهو ينوي أن يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى يصبح، كتب له ما نوى"، وروي معناه من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من امرئ تكون له صلاة بالليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب الله عز وجل له أجر صلاته وكان نومه ذلك صدقة".
وروي عن أبي سعيد بن المسيب أنه قال: "من هم بصلاة أو صيام أو حج أو عمرة أو غزوة فحيل بينه وبين ذلك بلغه الله تعالى ما نوى"
الصورة الثانية: لم يعمل بالحسنة بإرادته؛ حيث ألغى النية، وترك الهم بالحسنة، ففي هذه الصورة لا تكتب له حسنة.
أمثلة على الصورتين:
من أراد أن يتصدق لفقير، فذهب ليتصدق عليه ولم يجده، تكتب له حسنة، أما إن وجده، فألغى النية بإرادته من غير سبب، وامتنع عن إعطائه، فلا تكتب له حسنة، وكذا الشأن في زيارة مريض، أو تشييع جنازة. ومن ذهب ليحج، ولم يتمكن من الحج لحادث، أو لمرض، تكتب له حسنة كاملة، أما من ألغى الحج بإرادته كأن وجد فيه صعوبة لم يتعود عليها، أو طفش من الزحمة، أو رأى ثوبي الإحرام لا يليقان به؛ وترك الحج؛ رافضاً لأدائه مع قدرته، وعاد راجعاً إلى بلده، فلا تكتب له حسنة، بل تكتب له سيئة؛ لأنه ترك الحج استخفافاً بهذه الشعيرة العظيمة.
الحالة الرابعة: الهم بالسيئة وعدم العمل بها، فلهذه الحالة صورتان:
الصورة الأولى: ترك العمل بالسيئة مع القدرة عليها؛ لأجل الله تعالى؛ أي: خوفاً من الله تعالى، وتعظيمًا لجلال الله تعالى، فبهذا القصد تكتب له حسنة كاملة، وقد جاء في حديث السبعة الذين يظلمهم الله يوم القيامة في ظل عرشه "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني الله رب العالمين".
الصورة الثانية: ترك العمل بالسيئة؛ لحائل حال بينه وبين العمل بها رغمًا عنه، ولم يتركها خوفًا من الله تعالى، فهذا تكتب له سيئة، وهذا الحائل إما لعدم التمكن من عملها لأي سبب من الأسباب الخارجة عن إرادته، وإما تركها خوفاً من الناس، أو مراءاة لهم، ففي هذه الصورة تكتب له سيئة.
مثال على الصورتين: من همَّ بشرب الخمر، ولم يشربها مع تمكنها من شربها؛ خوفاً من الله تعالى، ففي هذه الصورة تكتب له حسنة كاملة، أما من همَّ بشرب الخمر، ولم يشربها لعدم توفرها، أو لعدم قدرته على شرائها، أو لحادث منعه من شربها، أو أن قرناءه سبقوه إلى شربها، أو خجلاً أو خوفًا من الناس أو مراءاة لهم، ففي هذه الصورة تكتب له سيئة، والدليل ما جاء ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟، قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
ولقوله النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يتجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل ومن سعى في حصول المعصية بجهده ثم عجز عنها فقد عمل بها".
وعلى أية حال يجب أن نفهم الهم بالحسنة أو السيئة في ضوء هذا الحديث النبوي الشريف، فقد روى أبو كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الدنيا أربعة نفر؛ عبد رزقه الله مالاً، وعلماً، فهو يتقي ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، فيقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يتخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم فيه لله حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً، ولا علماً، وهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء" أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، واللفظ له.