قراءة في "قواعد روتردام" للنقل البحري الدولي للبضائع
(1) الظروف المصاحبة لصدور الإتفاقية

نتحدث في هذه المقالة والمقالات التي تليها في بعض أحكام قواعد روتردام 2008 للنقل البحري الدولي للبضائع... والتي في اعتقادنا من الأهمية بيان ذلك... نظرا لتبني هذه الاتفاقية نظاما قانونيا يأخذ في اعتباره العديد من التطورات التكنولوجية والتجارية وتطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وقراءتنا في قواعد روتردام... يتطلب الأمر- كلما لزم- منا مقارنة تلك الأحكام... بالأحكام الواردة في إتفاقيتي بروكسل 1924 وقواعد هامبورج للنقل البحري الدولي للبضائع وأيضا القانون البحري العماني رقم (35) لسنة 1981م.
وقبل بيان أحكام هذه الاتفاقية، يكون لزاما علينا أن نوضح للقارئ الظروف المحيطة لصدور هذه الاتفاقية وموقف الدول العربية منها وأهم ما جاءت به... ان "قواعد روتردام" لعام 2008م هي التسمية غير الرسمية "لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر كليا أو جزئيا" وقد سميت بقواعد روتردام نسبة الى مدينة روتردام بهولندا وهي المدينة التي تم فيها توقيع الاتفاقية في احتفال أقيم في 23 سبتمبر 2009. والجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية لم تدخل دور النفاذ حتى الآن.
اذ تلزم لنفاذها تصديق أو انضمام عشرين دولة (المادة (94/1)) وحتى الآن لم يصدق على هذه الاتفاقية ولم ينضم لها سواء ثلاث دول (اسبانيا، توجو، الكونغو). أما من حيث الظروف المحيطة بصدور قواعد روتردام فقد كان اختلاف وبيان ردود أفعال الدول إزاء الاتفاقيتين الدوليتين اللتين تنظمان النقل البحري للبضائع على المستوى الدولي (إتفاقية بروكسل، قواعد هامبورج) من خلال تقييم نصوص كل اتفاقية، (التقيم السلبي لكلا الاتفاقيتين) السبب وراء صدور قواعد روتردام... بيان ذلك أنه على الرغم من نصوص اتفاقية بروكسل التي كانت في حينها نصوصا جيدة ويحسب لها أنها أول عمل دولي ملزم يحاول الموازنة بين حقوق طرفين متناحرين وهما الناقلون والشاحنون، الا أنه يؤخذ على أحكام هذه الاتفاقية حتى بعد تعديلها عدة مثالب، منها أنه على الرغم أنها حاولت ارضاء كل من الناقلين والشاحنين الا أن نصوصها شهدت مبدأ واضحا لصالح الناقلين. أضف الى ذلك أنها تضمنت قائمة مطولة بأسباب الاعفاء القانوني من المسؤولية... كما أنها اعتمدت بحكم قدمها على المستندات البحرية الورقية كمستند الشحن التقليدي ومن ثم كانت بعيدة كل البعد عن الأخذ بالتطورات التكنولوجية الحديثة... أما قواعد هامبورج 1978 فإنه وان كانت قد تفادت الكثير من الانتقادات الموجهة الى اتفاقية بروكسل 1924 الا أنها لم تسلم كذلك من النقد وأهم ما وجه اليها: أنه على الرغم من أنها ألغت الاتفاقية- وحسنا فعلت- القائمة المطولة لأسباب الإعفاء القانوني من المسؤولية غير أن عبارة "ما لم يثبت الناقل أنه قد اتخذ هو أو مستخدموه أو وكلاؤه جميع ما كان من المعقول تطلب اتخاذه من تدابير لتجنب الحادث وتبعاته" وهذه العبارة أعادت القائمة المطولة التي كانت تتضمنها إتفاقية بروكسل.
أيضا قواعد هامبورج كسابقتها لم تأخذ بالتطورات التكنولوجية في مجال النقل البحري وخاصة فيما يتعلق بسندات الشحن الإلكترونية واستخدام الحاويات، وظهور النقل متعدد الوسائط... ومع هذه الإنتقادات وغيرها الموجه الى كل من الاتفاقيتين، فقد تنوعت ردود أفعال الدول ازاءها فبعض الدول اقتنعت بنصوص اتفاقية بروكسل وأصدرت قوانين تطبق كلية أحكامها، والبعض الآخر انسحبت منها بعد ظهور قواعد هامبورج، وفضل عدم الانضمام لأي منها، والبعض الآخر صدق وانضم الى قواعد هامبورج... الجدير بالذكر أن سلطنة عمان من الدول التي فضلت عدم الانضمام الى أي من الاتفاقيتين على الرغم من تأثر قانونها البحري باتفاقية بروكسل... أما من حيث الجديد الذي أتت به قواعد روتردام... وبالتالي تعتبر في حد ذاتها خصائص يميزها عن الاتفاقيتين السابقتين عليها.
أولها راعت التطورات التكنولوجية والتجارية في مجال النقل البحري بما في ذلك النقل متعدد الوسائط أو ما يسمى خدمة النقل من الباب الى الباب، أيضا استخدمت بعض المصطلحات الجديدة "العقد الكمي، الطرف المنفذ، سجل النقل الالكتروني..." وغيرها من الخصائص والمميزات التي ستتضح للقارئ في المقالات القادمة كما هو الحال عند حديث عن "المدى الزمني لمسؤولية الناقل البحري، وأساس هذه المسؤولية"... أما عن موقف الدول العربية من هذه الاتفاقية فنظرا الى أن الدول العربية تعد ضمن الشاحنين فإنه بطبيعة الحال تقديرهم لنصوص هذه الاتفاقية سيتم النظر اليه من الوجهة هذه... وعلى هذا أصدر المكتب التنفيذي لمجلس وزراء النقل العرب في دورته ال(43) بتاريخ 27 أكتوبر 2009م توصيته تتضمن إرجاء التوقيع على الإتفاقية... لمزيد من الدراسة ومعرفة النتائج والآثار القانونية المترتبة على توقيع الدول العربية... بعد استيفاء متطلبات الجاهزية.

الدكتور سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]