اعداد ـ هلال اللواتي:
إطلالة على "الرسول": وهنا وقبل الدخول إلى الموضوع لابد من العروج على بعض المسائل المهمة في المقام:
أولاً: إن مبدأ السنخية وإن اقتضى الترابط، ولكنه لا يوجب الشركية بداهة، فهو في عين الترابط والاشتراك في كثير من الأشياء فإنه يتغاير فيما بينها، وهو أمر محتوم، فلا يمكن أن يصبح المعلول في عرض العلة، فهذا من المحالات الذاتية، وبرغم ما بين العلة والمعلول من سنخية، وهو من أعلى مظاهر الترابط بين الأشياء؛ إلا أن المرتبة لكل منهما محفوظة ذاتاً، فما يوجد في مرتبة العلة لا يوجد في مرتبة معلولها، فالعلة غنية بالنسبة إلى معلولها، وهذه تُعَدُّ فقيرة بالنسبة إلى علتها، فالقول بالشركية توهم محض.
ثانياً: ولا بد من عدم الغفلة عن قاعدة مهمة في هذه المقام وشبهه، وهي: أن ما هو لا متناه في كل شئ وعلى الإطلاق فهو "الله" سبحانه وتعالى، وهو ما يعرف بأنه سبحانه وتعالى لا متناه بالذات، ولكن لو نظرنا إلى غيره سبحانه فإنه يستحيل أن يكون لا تناهيه بالذات، فهذا من المستحيلات الذاتية، وإنما يقصد بعدم تناه الكتاب هو التناهي بالغير لا بالذات، فعدم تناه الكتاب العزيز في كمالاته ليس إلا "بالله" تعالى، فمبدأ السنخية لا يوجب حمل ما للعلة من أحكام إلى المعلول بكلها كما تبين، وهذا ما لم يقل به أحد، فإن المعلول يبقى محتاجاً إلى علته "وجوداً وبقاء"، فهو يوجب الرابطة والإنضمام الترشحي، فما يترشح من الفيض غير الفيض، إذ الفيض شئ والترشح شئ آخر، وإن إتحداً في كون أحدهما مصدر والآخر ذي المصدر، نعم يمكن القول أن ما هو كامل بالغير فإن مرجع هذا القول إلى الفقر الوجودي، وأن ما هو كامل بالذات فمرجعه إلى الغنى بالذات، فالنتيجة هي هي، ولكن ذكر هذا الأمر في غاية الأهمية كي لا يسلب عما هو غني بالغير صفاته الكمالية التي يتحلى بها، وفي الوقت نفسه ليعلم القارئ العزيز بأن هذا القول لا يوجب أي محذور عقدي أو فقهي، فمادام التمييز واضحاً وجلياً ومحافظاً لكلا القسمين مرتبته الكمالية فإن الإشكال مرتفع حتماً وجزماً.
السنخية بين صفات الكمال الإلهي وبين خليفة الله .. الرسول والنبي والوصي: فبعد أن إنتهينا إلى إثبات وجود السنخية بين خالق الوجود وبين رسالته وكتبه؛ ننتقل إلى معرفة السنخية والعلاقة والرابطة بين "الله" وبين خليفته في الأرض.
ملاحظة مهمة في المقام: ولا يخلو الموضوع من أهمية من العنوان السابق، لأن إدراك السنخية بين "الله" تعالى وبين "رسالته" و "كتابه" لأمر قابل للتصور، ولا أظن أحداً يمكن أن يدرج معارضة محكمة، بل ولربما لا يحتاج الموضوع إلى المعارضة من أصل، ولكن لما أن يصل الأمر إلى العلاقة بين "الله" تعالى وبين "رسوله" فإنه سيختلف تماماً، لإحتمال توهم شبهة المثلية أو الشركية، وقد تندرج بعض المفاهيم المنتزعة من أسماء الله وصفاته في البين كمحاولة في تأصيل الشبهة، وفي إثبات بشرية الرسول بلحاظ ما هو عليه من الفقر والضعف والإحتياج؛ لينتهي بالمتوهم المطاف إلى تعريف "رسول الله" تعالى كرسول عرفي، فهو يفترض وجود تلازم بين بشرية الرسول وبين صدور الخطأ منه، ومفاده: فمن كان بشراً فهو غير مبرئ من الخطأ!!، ولكننا نتعجب من تصور مثل هذا التلازم، إذ دون إثباته خرط القتاد.