في العصور القديمه اشتهر رجل جاء من آسيا الوسطى يدعى أبرخس وهو مؤسس علم الفلك الموضوعي بحق ، قضى الليالي والأيام الطويلة في إستنطاق النجوم اسرارها ، وإستعان بآلات صنعها بنفسه . وإحتمل أشد العناء والنصب وعمل وأستعان بالمعارف والمعلومات الحسابية الفريدة التي كانت بمثابة حجر الأساس والطريقة لعلم الفلك فيما بعد .
لقبه بطليموس"بالرجل صاحب الضمير اليقظ"، بعد مئتين وخمس وستين سنة من الزمان ، وقام بطليموس بجمع كل المعلومات الفلكية الخاصة لبرخس في كتابه الشهير" المجسطي" .
لذا أصبح هذا الكتاب المرجع الاول والأخير في علم الفلك القديم، وطغى على كل ما قد سبق من المراجع، فهو يحوي كل شاردة وواردة في هذا العلم، وبقي الكتاب أكبر تحقيق علمي في الفلك على مر القرون، وشهد علم الفلك تطورا كبيرا على يد العرب الذي كان لهم إسهامات كبيرة ، إذ يحكى أن بينما كان يجلس ذات يوم فلكيان عربيان في باحة الجامع وأمامهما كتاب "المجسطي" مرت بهما جماعة من علماء الدين فتوقفوا يسألون عن الكتاب الذي يرتوون منه فأجاب أحدهما: إننا نقرأ شرح الآية التاليه "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت " ، ويشير إلى أن علم الفلك لدى المسلم معنى دينيا عميقا . فالنجوم ومدارها والكواكب والمجرات والقمر لبرهان ساطع على عظمة الله بديع السماوات والأرض ، وهذا ما نطق به البتاني وهو أكبر علماء الفلك من العرب قال" علم النجوم هو علم يتوجب على كل امرئ أن يعلمه ، كما يجب على المؤمن أن يلم بأمور الدين وقوانينه ، لأن علم الفلك يوصل إلى برهان وحده الله وإلى معرفة عظمته الهائله وحكمته الساميه وقوته الكبرى وكمال خلقه "، وفي عهد الخلفاء بنى العرب المراصد وأشهرها مرصد المأمون في بغداد
ودمشق ،ومرصد الخليفتين الفاطميين العزيز والحاكم بأمرالله في القاهرة ، ومرصد عضد الدولة في حديقة قصره ببغداد ، .
_ وكلنا يعلم السيرة المخيفة والمرعبة لهولاكو المغولي وعلى الرغم من عدم إهتمامه بالعلم وإنصرافه إلى الغزو والقتل وإبادة خصومه إلا إنه قدم لعلم الفلك خدمة كبيرة وذلك بإنشاء مرصد عظيم ، وعرف بعد ذلك بمرصد هولاكو ، وعندما غزا بغداد إنبهر بما رآه من حضارة وعلوم ومعارف أشتهرت بها ، دفعه إلى تقريب علماء أعدائه في قصره الذي أقامه على أنقاض بغداد فعين العالم الرياضي النابغ والفلكي نصير الدين الطوسي وزيرمالية دولته ، والقائم على أمر مرصد مراغة العظيم . وهو الذي أشار على هولاكو بإنشاء المرصد الذي كلف بناءه وتجهيزه بالمعدات أموالا
طائلة، وأحضر الى مكتبة المرصد اربعمائة الف مجلد كانت قد سرقت من مكتبات بغداد وسورية وبلاد بابل ، وأستدعى إليه علماء ذوي شهرة طائرة من إسبانيا ودمشق والموصل ، وزادت شهرة نصير الدين الطوسي بعد إنشاء المرصد ، ولقد إهتم العرب إهتماما بالغا بالآلات الفلكيه ، وما ورثوه عن اليونان كان بدائيا وأعجز من أن يساندهم في سباقهم نحو المجد ، إذ بذلوا الجهد الكبير في تطوير الآلات وإختراع أدوات جديد شهدت لهم بالعبقرية والذكاء والنبوغ في علم الفلك .
ومن الآلات الفلكية المذهلة التي صنعها وابتكرها العرب "المحلقة " ، ذات الخمس حلقات والدوائر من النحاس أولها تمثل خط الطول الذي كان مركزا في الأسفل ، وثانيتها : خط الإستواء، وثالثهما الخط الاهليلجي ، والرابع : دائرة خط العرض ، والخامس : دائرة الانقلاب الصيفي والشتوي .
والحقيقه التي لايمكن إنكارها إن العرب لم يطوروا المحلقات الفلكية فحسب بل زادوا عليها ثلاث حلقات مكنتهم من القيام بقياسات أفقية، وهنا ك الأداد وهي عبارة عن مسطرة لقياس الزوايا تدور حول نقطة في طرفها ، وينتقل طرفها الآخر على دائرة ذات أقسام متساوية . وهذه الأداة تمكنوا بواسطتها من التغلب على صعوبات عديدة في إستعمال المحلقة الفلكية ،وأما آلة السمت الشمسية في مرصد مراغة وقد كانت من بين الكثير التي إشتهرت بدقة عملها وأمانة نتائجها .
_وفي الوقت نفسه عاش في بلاد بعيده ملك مسيحي في شمال اسبانية لقب بالحكيم وذلك بسبب حبه الكبير للعلوم ، تعرف على حضارات الشعوب الإسلامية وعظيم تقدمها ، وعمل على الإستفادة منها وكان يدعى الملك الفونس العاشر ،الذي خسر سلطانه في الأرض سمع الكثير عن جهود العرب في مجال علوم الفلك ، أحب أن يكون له بصمة في هذا العلم الواسع وبمساعدة من مستشاروه من اليهود إستطاع أن يبني مرصدا كبيرا وفيه أكبر محلقة فلكية عرفها ذلك الزمان ، لكنه كان بحاجة إلى خبرة العلماء العرب في علم الفلك .
_ والعبقرية العربية أبدعت كثيرا فهم صنعوا الساعات التي تسير على الماء وعلى الزئبق وعلى الشمع المشتعل ، أو التي تعمل بواسطة الأثقال المختلفة ، فهذه الساعة الشمسية الدقاقة التي كانت تعلن ساعة الغداء بصوت رنان ، أما هذه فهي الساعة المائية التي كانت تقذف كل ساعة كرة في قدح معدني وتدور حول محور تظهر فيه النجوم ورسومات من عالم الحيوان .

عزة بنت محمد الطوقية