[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” كان له دور بارز في مساعدة وتأييد حركة المقاومة الفلسطينية, من خلال تخصيص قسم من الحقوق والأموال الشرعية, التي ترد إلى مكتبه, لدعم حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية. اعتبر القضية الفلسطينية, القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية. دعَم وموّل عباس الموسوي (الأمين العام السابق لجزب الله). يعتبر الأب الروحي للحزب.”
ـــــــــــــــــــ
في ذكرى وفاته الخامسة ,لا يمكن إلا أن نقف إجلالا لهذا المفكر الإسلامي العربي الرفيع. المفكر الموسوعي, الذي يحارب ضد الطائفية والمذهبية والتعصب. الذي احتضن المقاومة اللبنانية منذ انطلاقتها عام 1982. لم يُفرّق يوما بين مقاومة إسلامية وغير إسلامية. كان يستشعر الخطر قبل وقوعه! ومن هذه النقطة بالذات, قرأ حقيقة الكيان الصهيوني وخطره منذ الخمسينيات. فضل الله كان يُغلّب المصالح الوطنية اللبنانية على كل المصالح الأخرى. خطيب مُفوّه, متحدث لبق. لديه تسلسل أفكار أثناء مقابلاته الصحفية, ليس له مثيل. يتحدث ساعات دون الاستعانة, لا بورقة ولا بخطاب مكتوب.
كان له دور بارز في مساعدة وتأييد حركة المقاومة الفلسطينية, من خلال تخصيص قسم من الحقوق والأموال الشرعية, التي ترد إلى مكتبه, لدعم حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية. اعتبر القضية الفلسطينية, القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية. دعَم وموّل عباس الموسوي (الامين العام السابق لجزب الله). يعتبر الأب الروحي للحزب. كان له دور بارز في إسقاط اتفاقية العار عام 1983, بين الدولة اللبنانية حينها برئاسة الكتائبي ومسؤول في القوات اللبنانية أمين الجميل, وبين الكيان.
قُدّر لي الحديث طويلا مع العلامة فضل الله, مرّتين اثنتين: الأولى بمناسبة التحضير لكتابي: "خمسون عاما على النكبة". حرصت على استفتائه والاستنارة بوجهة نظره, من بين عديدين من السياسيين والمفكرين والكتّاب والصحفيين العرب, في الإجابة عن أسئلة محددة مشتركة أوجهها لهم.
كلّ من وجهت إليه الأسئلة, ارسل اجوبته مكتوبة إلا سماحته... فقد فوجئت باتصال بي من سكرتيرمكتبه للحديث مع فضل الله. بعد أن بارك فكرتي, وحرصه القول على: انه يتابع ما أكتب! للحقيقة فوجئت! سألني إن كنت أملك مسجلا, وبعد أن جهزت آلة التسجيل الموصولة بالهاتف .. ابتدأ الحديث. كنت مذهولا لانسياب حديثه وطلاقته. استمرفي الحديث ما ينوف عن الساعة. في المرة الثانية, في الذكرى الستين للنكبة, تكرر الأمر. كنت اعتقد أنه نسي المرة الأولى! فوجئت به يسألني عن صدى الكتاب الاول, الذي قرأه بإمعان, وطالبني بأن أرسل إليه كتابي الجديد.
مما أجابه سماحته على بعض أسئلتي لكتاب "ستون عاما على النكبة " ما يلي: عن تغير نظرة الكيان بالنسبة لوجودها في المنطقة ونظرته للسلام مع الفلسطينيين والعرب؟ قال سماحته: "إن الفلسطينيين في السلطة, والعرب في جامعة الدول العربية, يتحدثون على وقع الصدى الأميركي والدولي عن دولتين .. لكنهم لا يعرفون أن الواقع المحيط بالمسألة الفلسطينية لا يسمح جديا الحديث عن دولة لفلسطينية مستقلة قابلة للحياة, بل أقصى ما يسمح به التحالف الأميركي – الإسرائيلي هو, الدولة الشبح, التي سوف تكون ملحقا سياسيا واقتصاديا وأمنيا بإسرائيل ....". وعن مستقبل إسرائيل قال سماحته:"إننا ننظر إلى مستقبل إسرائيل من خلال النظرة إلى قوة المقاومة, التي تخطط للأخذ بأسباب التحدي, الذي يهزم الوجود الإسرائيلي, ويدمر كيانه, ويقضي على عنفوانها, فرّد الفعل على عدوان تموز الإسرائيلي أثبت: أنه من الممكن هزيمة هذه الدولة, ولكن المسألة بحاجة إلى بقاء الاستعداد العربي والإسلامي لبناء القوة المتحدية الكبرى للمستقبل, حتى تكون النتائج قريبة إلى الواقع وليست مبنية على التمنيات". بالطبع أجوبة سماحته على السؤالين, واسئلة عديدة أخرى استوعبت ثماني صفحات من الكتاب, ذي القطع الكبير.
من أقوال سماحته:" السلام روحية تنطلق من الممارسة, فإذا كنت لا تعيش محبة الناس ولا تحترم إنسانيتهم ولا تتحسس مسؤوليتك عن حياتهم, فإنك لن تكون إنسان السلام". يقول "إن على أي داعية لأيّ فكرة أو خط أو منهج, أن يكون أول السائرين في الطريق". ويقول " في كل ساعة يموت شيء منك. وفي كل سنة تموت حقبة من عمرك, فنحن لا نموت دفعة واحدة وإنما نموت تدريجيا". من أقواله أيضا:" الفكرالإسلامي ليس تجريديا, فلقد عالج الكثير من القضايا العملية والعلمية بشكل تفصيلي, ولكن المسألة هي أن الواقع لا يحتضن الإسلام".
تتوزع مؤلفات العلامة فضل الله في مواضيع: الكتب الإسلامية, الفقهية, كتب متعلقة بأهل البيت, كتب اجتماعية. تعددت مواهبه في: الدين, الشعر, الأبحاث والندوات, المحاضرات. أسسّ جمعية "المبرّات الخيرية" التي انبثقت عنها عشرات المؤسسات الرعائية للفقراء, للايتام, ولذوي الرعاية الخاصة, والعديد من المراكز الدينية والثقافية. ساهم في تأسيس "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى". منذ عام 1986 بدأ بإقامة صلاة الجمعة في مسجد الإمامين الحسنين في ضاحية بيروت الجنوبية.
تعرّض فضل الله لمحاولات اغتيال عديدة في العامين 1985 و 2006. كان له الدور البارز في تثبيت الحوار بين الاديان والمذاهب.
فضل الله .. أيها المفكر العروبي الأصيل.. ما أحوجنا إلى فكرك سيدي في هذا الزمن الردىء, حيث يتفاخر الأعراب بمذاهبهم وطوائفهم! ويتناحرون بدلا من توجيه كل البنادق إلى صدور المحتلين لأرضنا الفلسطينية والعربية الطاهرة في دولة الكيان المسخ.. والسلام لروحك.