إن للعقيدة السليمة مكانة في قلب المؤمن الحقيقي وهو الذي ملأت عقيدة الإيمان جوانح قلبه , فآمن بالله إيمانا صادقا خاليا من كل ريبة وشك , وخالصا من شوائب النفاق والرياء ومن ثم تجده , يعلنها صراحة تمسكه بحب رسوله فأحبه واتبع سنته وعمل بهديه وسار على طريقته المثلى, وسلك محجته البيضاء فتجده يندفع بشوق ورغبة ليجاهد نفسه الإمارة بالسوء, ويجاهد شيطانه اللعين, وكذلك يجاهد الكفار والمنافقين , ويغلظ عليهم , ويؤدي الفرائض والواجبات ويبتعد عن كل ما يغضب الله تعالى ومن تتحقق فيه كل هذه المواصفات فيستحق أن ينطبق عليه قول الله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) (الحجرات 15).
ومن الأمثلة الرائعة على صدق المؤمنين في إيمانهم بالله تعالى: ما حدث في غزوة بدر الكبرى من أبو عبيدة بن الجراح عندما قابل أباه المشرك في هذه الغزوة وابتعد الإبن عن مواجهة أبيه أكثر من مرة ولكن الأب المشرك تعرض لابنه أكثر من مرة يريد قتله فما كان من الابن إلا أن يقتل أباه المشرك, وأيضا قتل سيدنا عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة, وهكذا ضرب الصحابة الكرام المثل الأعلى في غزوة بدر الكبرى في صدق الإيمان وأنهم آثروا رضا الله ورسوله على حب الوالد والولد ,ونزل فيهم قول الله تبارك وتعالى(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة (22).
واعلم أخي المسلم أن من آثار العقيدة السليمة العمل الصالح، فالمؤمن يخاف الله ويطيعه, ويخالف نفسه ويعصى هواه ويقدّم الآخرة الباقية على الدنيا الفانية ودائما تجد المؤمن يخاف الله ويخشاه هذا في تعامله مع الله تعالى أما مع الناس فهو ينفق من ماله للفقراء فيخرج زكاة ماله المفروض عليه من الله تعالى ثم هو يزيد على الفرائض فيتصدّق زيادة على الفرض) ومن ثمرة الإيمان أن الله تعالى يوفق المؤمن إلى العمل الصالح لأنه علم منه صدق النية, فقيمة العمل مستمدة من النية التي ينويها العامل فلو عمل المسلم عملا يبتغي به وجه الله تعالى إلا أنه وقع في غير محله فإن الله تعالى لن يضيعه ومثال ذلك ما يرويه أبو هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "قال رجل لأتصدقنّ الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق , فأصبحوا يتحدثون , تصدق الليلة على سارق , فقال اللهم لك الحمد, لأتصدقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية, فأصبحوا يتحدثون, تصدًق الليلة علي زانية, فقال اللهم لك الحمد, لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني, فأصبحوا يتحدثون, تصدّق الليلة على غني فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني, فأتى فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته, وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر، فينفق مما أعطاه الله تعالى).
فمن هذا أخي المسلم نوصي كل مسلم أن يستحضر النية الصالحة عندما يهم بعمل أي عمل من الأعمال حتى يجازيه الله تعالى عليها ومثال آخر يبين لنا مدى رحمة الله تعالى بعباده فالمسلم عندما يأتي أهله في الحلال لكي يعف نفسه ويعف زوجته يجازيه الله تعالى على ذلك بالحسنات فلقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال (وفي بضع أحدكم صدقة: قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم، فالإيمان بالله تعالى يجعل صاحبه يخلص في عمله ابتغاء وجه الله, لكن إذا قصد الإنسان من عمله ثناء الناس عليه وتقربهم منه كان هذا العمل غير مقبول. قال تعالى:(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) (الزمر 65 ـ66).
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أنه جعل سعي الواحد منهم على معاشه لكي يحصل منه على الرزق الذي يكفيه هو وأولاده سبب في دخول الجنة في الآخرة, وفي الدنيا يأخذ على ذلك الثواب العظيم من الله رب العالمين، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة, إلا كان له صدقة) ومن هذا يتبين لنا مدى أهمية النية في أعمالنا ولابد أن تكون النية خالصة لوجه الله تعالى فمما لا شك فيه أن للنية أثرها في سلوك الإنسان إيجابا وسلبا يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه ما نقص مال عبد من صدقة, ولا ظُلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا, ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر, وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا, فهو بأفضل المنازل, وعبد رزقه الله علما, ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان, فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي ربه, ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا, فهو بأخبث المنازل, وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان, فهو بنيته فوزرهما سواء) فلو فكرّنا في هذا الهدي النبوي الشريف لوجدنا كم للنية من قيمة وأجر عند الله رب العالمين فالعمل الصالح ليس مجرد صلاة تؤدى بحركات أو صيام يؤدى بالحرمان من اللذات إنما هو إخلاص لله، وبر في المعاملة , ولين في المعاشرة, ومحبة للجميع .
إن كل عمل اجتماعي نافع يُعدّه الإسلام عملا صالحا مادام صاحبه قصد به تفريج كربة مكروب, أو تضميد جرح لمجروح, أو شد أزر مظلوم أو أخذ بيد فقير زو عيال. كل هذه الأعمال يُعدّها الإسلام عبادة وقربة إلى الله عز وجل، إن الإسلام عندما أمرنا وكلفنا بالعمل الصالح, لم يجعله ماليا فقط يختص به الأغنياء, ولا علميا يختص به المثقفون, ولا بدنيا ينفرد به الأقوياء, ولكنه جعله عملا إنسانيا عاما يتقرب به كل إنسان من الله تعالى على قدر طاقته يشترك فيه الأمي والمتعلم, والفقير والغني والضعيف والقوي، والمؤمن دائما مفتاح للخير, مغلاق للشر, راغب في رحمة الله وجنته قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :(إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح , طوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير) وصاحب العمل الصالح يستخلفه الله في الأرض ويمكن له دينه ويبدل خوفه أمنا, كما أن الصالح من المؤمنين يعيش عيشة السعداء في الدنيا, ويموت موتة الشهداء قال تعالى:(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة, ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) (النحل ـ 97).
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من عباده الصالحين وأن يتوفانا على الإيمان إنه على كل شيء قدير .. اللهم آمين.