يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات التي تعيش معه في هذا الكون بأنه يحيا ويتصرف في إطار مجموعة من القيم الخلقية التي تهذب روحه وتحكم تصرفه، لذا جاءت ندوة (القيم العمانية ودور المواطن في التنمية) التي أقيمت بقاعة المؤتمرات بجامعة السلطان قابوس والتي كانت على مدار ثلاثة ايام من تاريخ 2 الى 4 رجب 1432 هجري الموافق 4 الى 6 يونيو 2011 ميلادي بتنظيم من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لتعطي الإنسان دافع وتذكير في المحافظة على الإرث الحضاري القيم وكيفية التعامل مع المحيطين به.
وحول ما قدم في هذه الندوة من بحوث واوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في بحث بعنوان: "دور الدين والخلق والتقاليد في الحياة والمجتمع" للدكتورة سعاد الحكيم.

دور الخُلُق في استقرار المجتمع
فقد تكلمنا سابقاً عن الامانة واشكالها وكذلك عن دور الخُلُق في استقرار المجتمع واليوم نواصل الحديث، حيث تقول الباحثة الدكتور سعاد الحكيم: وتختلف المجتمعات العربيّة في درجة تمسّكها بالتقاليد، وكلما كان المجتمع أقربَ في بنيته البشريّة إلى القبيلة تصبح التقاليد أكثر سلطةً وأكثر استقراراً، ومن شأن التقاليد، وأيضاً العادات، أن تجعل الأمر مألوفاً ومستساغاً ولو كان في ذاته غريباً، وذلك لأنّ تعوّد النظر على شيءٍ يجعله مألوفاً، والدليل أننا حين نسافر من مجتمعٍ إلى مجتمع، فقد تصدمنا تقاليد فئةٍ من الناس لم نصدف أمثالهم في عالمنا، ولكن بعد أيامٍ نألفهم ويصبح الأمر عاديّاً.
لذا حذّر العلماء من الجهر بالفاحشة حتى لا يعتادها النظر وتسهل على النفس. وهذا ما نعانيه اليوم من تسرّب بعض العادات والتقاليد الغربية السيّئة إلى شبابنا ومنها الوشم. وعلى الرغم من تعاطفنا مع التقاليد وحرصنا على استمرار الجيّد منها نرى أنه يجب أن تتوافر فيها أربعة شروط:
الشرط الأول: الإيجابيّة
من المستحبّ أن تكون التقاليد منفتحةً تُشيع روح الإيجابيّة في الجماعة، وتساعد على تحقيق الألفة الاجتماعيّة والمودّة والمحبّة.. كالتقاليد في التزاور في الأعياد والمناسبات، وإكرام الضيف، ومساعدة الفقير والغريب، وتقاليدنا العربيّة في المشاركة في الأعراس والمآتم، مما يُشعر الإنسان بأنّه ليس وحيداً في الكون هو وعائلته فقط، بل يحسّ بوجوده يمتدّ ليشمل كافّة من شاركه في فرحٍ أو ترح. وتشمل التقاليد الإيجابيّة في مجتمعاتٍ عديدة: اللباس والطعام والفنون الشعبيّة وزينة البيوت وهندسة الحدائق وأشياء كثيرة.

الشرط الثاني: عدم مخالفتها لحكم ديني أو قيمة خلقية
توجد تقاليد سلبيّةٌ، تخالف الدين والخلق من مثل: كراهية الغريب في الأرياف، والثأر فيها أيضاً. ونلاحظ أن من يقف في وجه الثأر ـ هذا التقليد السيئ ـ يتعرّض إلى النقد اللاذع من كبراء عائلته، وإن حدث ورفض من يقع عليه عبء الثأر أن يقوم بذلك، يصبح معرّةً في قومه، تهزأ منه العجائز، وقد تهجره زوجته، وتتبرّأ منه عائلته.

الشرط الثالث: عدم مخالفتها للعقلانيّة وللحداثة
من ضرورات الحياة والتحديث أن نتجاوز التقاليد التي تخالف العقلانيّة والحداثة كحرمان الفتيات من التعلّم، والنظر بعين السوء إلى عمل المرأة، وحبسها في البيت، وقد سمعت مرّةً ـ في معرض التفكّه ـ واحداً من مجتمعٍ ريفيٍّ يقول بابتسام: "نحن المرأة لا تخرج عندنا من بيتها إلا مرّتين: مرّةً من بيت أهلها إلى بيت زوجها، ومرّةً من بيت زوجها إلى القبر.
هذه التقاليد من الواجب العقليّ والاجتماعيّ أن نعمل على إزاحتها، لأنّها تطمس الوجه البديع للتقاليد، وقد يضع شخصٌ ناقمٌ التقاليد كلّها في سلّةٍ واحدة ويصبّ جام غضبه عليها بسبب واحدةٍ من هذه التقاليد المخالفة للعقلانيّة وللحداثة.

الشرط الرابع: الرضائيّة
تتّسم بعض التقاليد بالتعقيد وبصعوبة نقلها للأجيال، لذا نراها تتقلّص من تلقاء ذاتها وتذوي، كبعض التفاصيل في إقامة الأعراس، وبعض الأطباق المحلّيّة، وبعض الأزياء التراثيّة، وأحياناً يغزو التقليد الغربيّ ـ خاصّةً في المظهر واللباس ـ عالم الطفل أو الشابّ فيمتنع عن قبول تقليد المجتمع ليماشي ما أعجبه من الطفل أو الشابّ الغربيّ كارتداء الجينز و"الجينز الممزّق".. وقد أخبرني والد شابّ أنّه لا يحبّ شخصيّاً لبس الجينز ويفضّل التقليد اللبناني ـ الحديث نسبيّاً ـ في لبس "البنطلون" القماشي، وكذا لا يحبّ لبس البلوزة القطنية "التيشرت" ويفضّل لبس القميص، ولكنّه لم يستطع تمرير ذلك لابنه الذي لا يزال في التاسعة من عمره، فانتهى معه إلى اتّفاق، بأن يلبس البلوزة القطنيّة ولكن يحرص على ألا يجعل صدره لوحةً للدعايات والشعارات بحيث يستوقفه أصحابه ليقرأوها، وأن يلبس الجينز ولكن ضمن الأصول التقليديّة أي غير المقطّع والممزّق والمرفّع وغير ذلك من أشكالٍ غريبة. وهذا المثال على بساطته إلا أنّه يجسّد مقاومة التقاليد والأعراف والعادات للغزو الخارجيّ في زمن الانفتاح والعولمة.. وإننا بحاجةٍ إلى دراساتٍ رصينةٍ وجدّيّةٍ "لغربلة" ما ورثنا من أفكارٍ وعاداتٍ كي نتمسّك منها بما هو جوهريٌّ وصميميٌّ ويجلي هويّتنا وخصوصيّتنا، ونعمل على عقلنته وتمريره والتعريف بدوره، ونترك ما هو هامشيٌّ ومظهريٌّ بحتٌ ولا يتماشى مع التحديث السليم. وذلك، لأنّ القتال المستميت دفاعاً عن التقاليد المحليّة ـ الغالي منها والرخيص ـ وكأنهما على مستوىً واحدٍ من الأهميّة، ليس دليلاً على العقلانيّة والمعاصرة.
باختصار، إنّ التواصل مع التقاليد الإيجابيّة العقلانيّة هو تواصلٌ مع الهويّة وحفاظٌ على الخصوصيّة في زمن العولمة، التي تجعل كلّ شيء يشبه كلّ شئ.

تأملات واستنتاجات
وفي هذه التأملات تقول الباحثة الدكتوره سعاد في بحثها: نقف على مسافةٍ من كلّ ما قدّمناه لنتأمّل فيه ونتفكّر ونستنتج:

التأمّل الأول ـ حول "صورة الإنسان المسلم" لدينا ولدى الآخر:
تكوّنت صورة الإنسان المسلم في عين الغرب ـ على فرض أنها متماثلةٌ في مكوّناتها الأساسيّة لدى الجميع ـ من عدّة مصادر، لعلّ أهمّها الوسائل الإعلاميّة وخاصّة الأخبار العالميّة والبرامج التلفازيّة الوثائقيّة.. وهي صورةٌ مدوّنةٌ في كتب غربيّةٍ عديدةٍ، ونراها بألوان قوس القزح؛ أي فيها كلّ الألوان متداخلةً متكسّرةً مبهمةً وفاقعة ً.. فيها خيطُ لونٍ من كلّ شيء "غير غربيٍّ"، من العنف، ومن التخلّف، ومن الفقر، ومن الجهل، ومن الإرهاب والتفجيرات، والأسلحة، والعدائيّة، ومن الصحراويّة، ومن أمتار الأقمشة الحريريّة، ومن براقع الوجوه والعيون السوداء، ومن ملامح وجوه الرجال ذات الخطوط المحدّدة والبارزة غير الباهتة.. باختصارٍ، إنها الآخر غير الأليف بامتياز.
ومن قناعتي بأن المحاضرات والندوات والمقالات لا تستطيع اليوم أن تقاوم الصورة التي تُبَثّ عبر وسائل الإعلام كلّها حول العالم، من أمثال صور الأخبار والحروب والتصريحات "الساذجة والغبيّة" والتفجيرات، لذا أرى أن الحلّ هو أن ننشغل بتغيير الصورة لدينا أولاً قبل أن ننشغل بتجلّياتها في عيون الآخر الصديق وغير الصديق.
وأتصوّر أنني حاولت المساهمة ـ في هذا الإطار ـ حين رسمت صورةً صفاتيّةً، ثلاثيّة الأبعاد، للإنسان المسلم.. وهو الإنسان الذي يتجلّى في بعده الإسلاميّ برباعيّة: الكرامة وحريّة الاختيار وحمل ثقافة الواجب والانتاجيّة.. ويتجلّى في بعده الإيماني برباعيّة حسن الظنّ وامتلاك الرادع الداخلي وقبول التعدّد والرضى.. ويتجلّى في بعده الإحسانيّ برباعية: معاملة الغير بالتسامح والأخذ بالأحسن والإتقان والإنجاز.. فهذه الصورة الصفاتية المستنبطة من النص الإسلاميّ ـ سواءً اتّفقنا على بعض تفاصيلها أم اختلفنا ـ تظلّ في مجملها دالّةً على شموليّة الإسلام واتّساعه ومفارقته للتصورات الضيّقة التي تحبسه في أعمالٍ معدودةٍ، والتي تحرم الإنسان المسلم من الغنى والمدى الذين منحهما له الله سبحانه بقوّة النصّ وسلطته.

التأمّل الثاني ـ حول الدين الرضائيّ والدين القهريّ:
إنّ الإسلام هو دينٌ رضائيٌّ، يختاره الإنسان بإرادةٍ حرّة مستقلّة، (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) (الكهف ـ 29). ولكن اليوم، يولد آلاف الأطفال من آباء وأمّهات مسلمين، فيدخلون في دين الإسلام بحكم الفطرة والولادة النشأة، وذلك قبل أن يصلوا إلى الرشد العقليّ والإرادي النفسيّ الذي يمكّنهم من ترجمة الفطرة إلى حريّة اختيار، والواقع، أنّ معظمهم يستمرّ على حسن إيمانه بعد بلوغ سنّ الرشد ولا يجد لديه حاجةً لتأسيس إيمانه النظريّ على نظرٍ عقليّ، متّفقٍ على وجوبه، فيظلّ واحدهم يعاني فقراً في المعلومات تجعله غير قادرٍ على خوض أيّ حوارٍ معمّق مما يجري اليوم.
وبعد اتّفاقنا على رضائيّة الإسلام، نقول نعم إنه يوجد جزءٌ قهريٌّ في الدين، وذلك حين تتحوّل أحكامه الشرعيّة عبر أجهزة الدولة إلى قوانين جزائيّةٍ أي إلى عنفٍ قانونيٍّ وقهرٍ قانونيٍّ، يكفل الحياة الطيّبة للجميع.. يقول تعالى في سورة البقرة (179): (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ..) أما ما عدا ذلك كلّه، أي ما عدا الأحكام الشرعيّة الحافظة لحقوق الناس والمجتمع، فإنّ الكمّ الأكبر من النصوص الإسلاميّة القدسيّة تظلّ رضائيّةً في التطبيق لا رادع خارجيّ لها إلا سلطة التقاليد وسلطة المجتمع والأهل وغير ذلك من سلطاتٍ أهليّةٍ لا رسميّة.
وهذا يوصلنا إلى ما أردنا بيانه وهو أن كلّ ما ورد في مقالتنا حول الإنسان المسلم وحول صورته الصفاتيّة بأبعادها الثلاثة، هو في إطار الدين الرضائيّ الذي لا قهر فيه، والذي لا تملك القوانين أن تفرضه، ولكن تفرضه قوّة المعرفة على عقل وقلب الإنسان المؤمن.. فالمقابل للرادع الخارجيّ هو نشر المعرفة الكفيلة بإنبات الرادع الداخليّ المؤسَّس على القناعة العقليّة واليقين القلبي.

التأمّل الثالث ـ حول تشريع القوانين ودولة القانون:
أخي القارئ الكريم: تتعالى أصواتٌ كثيرةٌ اليوم تنادي بعدم الركون إلى الإرادة الطيّبة للناس وإلى الرادع الداخليّ وأنّه لا بدّ من تحويل كلّ شأنٍ مهمّ إلى قانونٍ واجب النفاذ على الجميع. وهذا النداء مشروعٌ، وفيه حظٌّ عظيمٌ من الصواب، ولكنّ التجارب العربيّة ـ في مجال القوانين وسنّها ـ علّمتنا أشياءَ كثيرةً، من أبرزها أمران:
الأمر الأول: إنّ القوانين في العالم العربي بطيئة الصدور، تستعصي سنواتٍ وسنواتٍ على التعديل، وخاصّةً فيما يتعلّق بقضايا الناس التي لا تهمّ أصحاب السلطة. وعديدٌ منا عمل في ظلّ قوانين أصدرتها الدولة لإنشاء مؤسساتٍ تعليميّةٍ، أو غيرها، يزيد عمرها على الستّين عاماً.. وفي هذه الأثناء، تغيّرت القوانين الغربيّة التي نقلنا عنها عشرات المرّات لتواكب التحدّيات والمستجدّات، ونحن لا نزال نحضّر مشاريع تعديلٍ، ويأتي مسؤولٌ ويذهب مسؤولٌ، ويعيد دراسة كلّ شئ وتمرّ السنوات تتحضّر فيها عشرات المشاريع ولا يتعدّل شئ وخاصةً إن أراد المسؤول أن يكون التعديل جذريّاً وشاملاً.
لذا، ففي ظلّ عدم مرونة القوانين المدنيّة في معظم البلاد العربيّة، نخشى عند استصدار قانونٍ أن يؤثّر سلباً على أحفادنا!. وهكذا، فالرهان على "دولة القانون" من قبل المجتمع المدنيّ صائبٌ إن توفّرت الشروط الرئيسيّة، وأهمّها: المرونة، والنزاهة، وامتلاك الرؤية، ومراعاة مصلحة الناس، وعدم مخالفة نصٍّ شرعيٍّ أو قيمة خلقيّةٍ أساسيّة.
الأمر الثاني: في مقابل تصلُّب القوانين المدنيّة حين تكون متعلّقةً بشؤون الناس، نلحظ مرونة هذه القوانين وسرعتها حين تخصّ مصحلةً شخصيّةً لمن يتحكّم في آليّة سنّ القوانين. بل يدفعنا ذلك أحياناً إلى الظنّ بأنّ من بيده الأمور يفصّل القوانين على مقاس مصلحته ومصلحة خاصّته وبطانته. إنّ غواية القانون قد تذهب بعيداً، إن تسلّم مقاليده شخصٌ لا يصمد أمام فتنة الأهل والمال، وفي ظلّ غياب الشفافيّة ومؤسّسات الرقابة ومحاسبة الفساد.. ونطرح على أنفسنا سؤالاً حول قوانيننا المدنيّة: هل ما هو قانونيٌّ هو أخلاقيٌّ وعادل؟.
كما أننا نلحظ انزياحاً في الخطاب الغربيّ عن دولة القانون إلى الدولة الناجحة والدولة الفاشلة، لكأنّ القوانين لم تعد مقياساً لحداثة الدولة بل صار المقياس هو نجاح الدولة، أي قدرتها على تأمين فرص عملٍ لمواطنيها وزيادة الاستثمارات.

التأمّل الرابع ـ حول تعامل المسلم مع المحدثات:
إنّ الإنسان المسلم ـ في تجلّياته عامّةً ـ هو إنسانٌ أصيلٌ يتمسّك بهويّته وتراثه ولا يقبل تحديثاً على مستوى ثوابته الدينيّة والخلقيّة والاجتماعيّة، وما عدا ذلك فيقبل الحوار حوله. وقد نبّه القرآن الكريم في إشارةٍ معبّرةٍ إلى استحسان ألا ننقفل على ما يأتينا من أمورٍ محدثةٍ، بل ننظر فيها ونأخذ ما يوافق أصالتنا، وهذا ما فعله سلفنا في زمن الترجمة والتعريب والتلاقح الثقافيّ والانفتاح على المنجزات المدنيّة لشعوب عالمهم، يقول تعالى في كتابه العزيز في سورة الانبياء الآية (2): (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ).
وهذا يدعونا إلى النظر فيما يستجدّ من محدثاتٍ كونيّةٍ وحياتيّةٍ وفكريّةٍ وعلميّةٍ، فلا نمرّ بها مروراً سلبيّاً لاهياً، وأيضاً لا نكون راديكاليّين فنرفض الكلّ أو نقبل الكلّ، بل نكون ذاتنا، فنقبل أو نرفض بحريّةٍ واختياريّةٍ ما يفيد إنسانيتنا ويحدّث مجتمعاتنا.
وفي الختام تدعو الدكتورة الدكتور سعاد القيادات العربية قائلة: أتمنّى على قياداتنا العربيّة التي تبنّت مشكورةً استراتيجيّة "التنمية المستدامة" أن تلحظ معها وبشكلٍ مساوقٍ استراتيجيّة "الإصلاح المستدام. والإصلاح المستدام هو النقد المستمرّ للأداء والإنتاج، وهو الوقفة لإعادة النظر في الخطط، ولدراسة ماذا حقّقنا، وهل ما حقّقناه هو ما خطّطنا له، وأين حدثت الانزياحات عند التنفيذ؟.. وهكذا.
وأقدّر أننا لو تبنّينا مقولة "الإصلاح المستدام" فإننا سننتقل بالعقليّة العربيّة من نهج الفكر التطبيقيّ التنفيذيّ إلى نهج الفكر الجدليّ: أي الفكر الذي ينطلق من الرؤية إلى التطبيق، ثم في مرحلةٍ ثانيةٍ يتأمّل في التطبيق ويجعله مادّةً لإنتاج رؤيةٍ جديدةٍ مؤسّسةٍ على ممانعة الواقع وقدرته على إظهار نقاط ضعف وقوّة الرؤية، وفي مرحلةٍ ثالثةٍ يتابع التنفيذ على ضوء التعديل في الرؤية الجديدة.. وهكذا.
وهذه النقلة في نهج الفكر تخفّف من إلقاء التهم عند الفشل على سوء التطبيق، كما أنها خطوةٌ على درب دولة المؤسّسات. فالإصلاح المستدام يجعل الأداء الإداري حلقاتٍ مترابطةً متسلسلةً، لا يملك من يطرأ على رأس المؤسّسة أن يعود بها إلى نقطة الصفر.

وإلى لقاء آخر مع بحثٍ جديد ان شاء الله تعالى.