[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ليس من الانتقاص القول إن مشغولية الإعلام اقتصاديًّا في البلاد العربية لم تحتل بعد حيزها اللازم في نشر المعارف اليومية الجادة للتنمية والنشاطات الاقتصادية، وكيفية معاينة احتمالات التقصير التنموي بروح المسؤولية الوطنية اللازمة، والتنويه بضرورة مواجهة استحقاقات ميدانية معينة في التصدي لمشاكل الباحثين عن عمل، وإشهار جوانب مضيئة من خلال إنجازات تستحق التقدير، وكذلك على صعيد تقديم نماذج معينة تنموية تستطيع أن تكون قوة جذب لمستثمرين وباحثين عن فرص عمل مجزية وآمنة.
لا أنكر أن الإعلام العربي يعطي بعض الحصة للجوانب التي تتعلق بالتحذير من الفساد المالي والإداري وكشف المتورطين به، والتلويح بخطورة إعاقة أو تعطيل في أكثر من مضمار اقتصادي واحد، وفي نشر تجارب استثمارية ناجحة حصلت في دول أخرى، وفي الدعوة إلى إيجاد مفاتيح تنشيط للذاكرة التنموية، وفي إعادة تصحيح بعض الهياكل الاقتصادية الخاسرة، لكن ذلك لا يكفي قياسًا بالمطلوب للتوضيح في إطار ما يمكن أن نصطلح عليه أخلاقيات العمل الإعلامي القادر على إقامة شبكة تعريف ورقابة للمعرفة الاقتصادية، وهل في استطاعته أن يتحول إلى منصة فاعلة لتوجيه الرأي العام العربي نحو وسائل تتعلق بمتطلبات التنويه بالنشاطات الناجحة التي لا بديل عنها لتحريك الأوضاع الاقتصادية الراكدة من أجل الحصول على نتائج مضمونة بأقل الكلف المالية، وانتزاع الباحثين عن العمل من جزئيات ملاحقة إعلانات فرص العمل المتاحة إلى ما يعيد تغذية ذهنية الباحث عن العمل بحالة من الأمل عبر أكثر من مجال اقتصادي بدل (التيبس) في حالة انتظار مشحونة بالشكوى والجزع والمرارة واليأس أحيانًا.
ثم كم هي حصة الإعلام الاقتصادي المعني بالنهوض التنموي الوطني العام، وتقويم السياسات الإنتاجية، وكم هو عدد (الدعاة) الإعلاميين اقتصاديًّا في التذكير بأهمية الترشيد والادخار والشفاء من النزعات الاستهلاكية المدمرة، وكم هو واقع الجدوى والجودة في حركة الإنتاج الصناعي، وأين هو التحفيز الإعلامي الذي يُنبه حركة الاقتصاد إلى بيانات آمنة من النمو المتجدد؟ وأين هي التوجهات الإعلامية التي من شأنها أن تؤدي إلى تكوين قناعات الناس في نوعية وكفاية الطعام والكساء وحدود الاقتناء من منطلق أن (الملك لله) عسى أن تسهم القناعة في تدجين غريزة التملك، وكم هو المعطى الإعلامي للأثرة وعفة النفس ونظافة اليد والترفع عن التدليس الاقتصادي، أي الترفع الكفيل برسم صورة إنسانية للتعامل الاقتصادي قائمة على قاعدة أن الوفرة لا تعني الإفراط، وأن اعتدال السوق يتطلب موازنة دائمة بين العرض والطلب.
تستوقفني هنا النصيحة التي يأخذ بها الخبير الاقتصادي المعروف حازم الببلاوي رئيس الوزراء المصري الحالي الذي يرى أن مخاطبة الجمهور الواسع عبر الصحافة والكتب العامة أمر ليس قليل النفع عندما يتعلق الأمر بمناقشة قضايا الساعة الاقتصادية العامة.
أمام ذلك لا يصح أصلًا أن تكون حصة الإعلام الاقتصادي في البلاد العربية ضمن القوالب اليومية الجاهزة التي يتم التعامل بها في الوقت والصفحات (البعيدة) نسبيًّا عن مرأى ومسمع المواطن، كما لماذا لا يكون هناك نوع من الفطنة الإعلامية في تمرير المعرفة الاقتصادية التي تهم المواطنين بالمزيد من الوضوح ليعرفوا هامش واجباتهم القانونية في الابتعاد عن التضليل الضريبي، وكذلك أدوارهم في حماية العملة الوطنية من المضاربة واختصار الطريق إلى المسؤولية للحد من التضخم، نحن بحاجة إلى منصات إعلامية تتولى كل المسؤوليات التي أشرنا أليها.