[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
مثلما لا تصلح كل الشوارع محطات لباعة الأرصفة وتنقلات تجار الحقائب، كذلك لا يجوز اعتبار كل الخسائر عناوين للهزيمة والاستسلام والدخول في بكائيات رثاء الواقع والسقوط في دوامة الندب والنواح.
لا شك في أن أوروبا خسرت كثيرًا في نتائج استفتاء اليونانيين بالرفض لشروط الدائنين، ولكن من القراءة الأولية لتعامل القادة المؤسسين للاتحاد الأوروبي، أعني فرنسا وألمانيا، أنهم استوعبوا الطعنة اليونانية بشجاعة (مكره أخاك لا بطل) وبدعوة للمراجعة، ولعل من يتابع تصريحات المستشارة أنجيلا ميركل والرئيس هولاند ومجموعة مستشارين اقتصاديين أوروبيين يلمس ذلك وكأن لسان حالهم يقول إننا لم نأخذ بالحكمة الألمانية المعروفة (لا تدخل الغابة لأنك ستجد غابة أخرى).
لقد أغوى وهج الوحدة الأوروبية السياسيين الأوروبيين واستغرقهم فرح اتفاقيات مستريخت، وراهنوا على مد القوة التي وفرتها هذه الوحدة، بل وأمعنوا في الإسراع بإصدار اليورو دون أن يتحسبوا لنتائج العجالة والتسرع، وليس السرعة والتوقيتات الآمنة.
ستدخل أوروبا مرحلة المراجعة والتنفس بتأني الذي من شأنه أن يعيدها إلى الواقع بعيدًا عن التحليق وفنتازيا الأمل الفارغ الذي تعاملت به مع عدد الأزمات الداخلية والخارجية، وهكذا لا فرصة للعواصم الأوروبية إلا مباشرة دبلوماسية طرق أبواب أثينا وموسكو، بل ودمشق، وليس العكس، وربما عواصم أخرى كانت على خلافات معها.
إن كساد الأوروبيين في الشقيقة (اليونان) يتصل اتصالًا فلسفيًّا واضحًا بموقف اليونايين أنفسهم وكأنهم يرددون ما قاله الفيلسوف سقراط في يوم من الأيام وهو يتجول في أحد الأسواق العامرة بالبضاعة، كان مفلسًا غير أنه كان يسعى إلى إقناع نفسه بالقول (آه كم هي كثيرة الأشياء التي لا أحتاجها في هذا السوق) معبرًا عن أخلص معايير الزهد والكفاف.
أوروبا لم تأخذ بالحكمة القائلة إن (عدو الطاؤوس ريشه)، ولهذا فهي حين تستيقظ اليوم على خسارتها في اليونان ستجد طريقا جديدًا لها يحفظ هيبتها من هذه الخسارة وستقدم على العديد من الإجراءات المؤلمة، ومثل ذلك أيضًا سنجد داخل الولايات المتحدة الأميركية من يبحث عن طريق جديد في التعامل مع الآخرين بالرغم من أن الأميركيين معروفون أنهم لا يراجعون عيوبهم بسهولة، فلقد دعت هيلاري كلينتون الطامحة بالوصول إلى البيت الأبيض النخب السياسية في بلادها أن يكونوا أكثر ذكاءً في التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكأنها تقول إن الرجل هو سليل الخزين الروسي التاريخي من المناورات المحبوكة جيدًا والمكر المشروع، بل كانها تعترف بنقيصة العقل السياسي الأميركي عندما أخذ بنصيحة هنتجتون القائل (إن ما يحل مشكلة الولايات المتحدة هو احتواء الحضارات الأخرى).
لقد بدأ العالم يتسع الآن لفكرة الإنذار السياسي المبكر القائم على التحسب والعمل على لملمة الجراح، وإذا كنا قد سمعنا بالمفاجأة الضاربة المتمثلة بدعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي عن استعداده للاجتماع بوزير الخارجية السوري وليد المعلم في أي مكان يرتئيه، فإني أقترح عليه تواصلًا مع اقتراحه المستجد أن يدعو إلى اجتماع وزاري أو نخبوي ما، لا تطرح فيه سوى موضوعة مراجعة العيوب السياسية العربية، وبالتالي الانتصار لفضيلة الاعتراف بالخطأ.
ومثلما دعا الشاعر العراقي الراحل الجواهري العرب إلى الوقوف بمدينة المعرة ومسح خدها المترب تيمنًا بالشاعر (أبو العلاء المعري) فلنا الآن أن نقف لنغسل القلوب والعقول من غبار المعارك التي لا طائل تحتها.