اعداد ـ علي بن سالم الرواحي
لقد جعل الله القرآن معجزته الخالدة ، فما سبقه من معجزات كانت حسية مؤقتة بصاحبها من الأنبياء فتزول بعد موته وينتهي أثرها على أتباعه، لكن معجزة القرآن لا تنتهي بزوال الأمم وعلومه لا تتوقف بمرور الزمن وأثره باقٍ على رغم من جحد وظلم، فالقرآن كله عجائب في عجائب وإعجاز في إعجاز، وهداية في هداية .. وهيا بنا نبحر معاً في اقتباس ولو أقل القليل من بعض لآلئ عجائب القرآن العلمية لتكون منارة لحياتنا والله ولي التوفيق.
يقول الحق تبارك وتعالى في مستهل سورة الزمر:( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)(5)، معنى (كوّر) أي لفّ حيث يلتف كل من الليل والنهار على صاحبه بدوران الأرض حول محورها من الشرق إلى الغرب أمام الشمس و السبق القرآني هنا متمثل في كلمة (كور) أي لفّ وهو يوحي بكروية الأرض بشكل تصلح للفّ الحدثين عليها، ومن ناحية يوحي بأن الزمن وهو الليل والنهار إنما يتولد من هذه الحركة الإلتفافية.
يقول ربنا جل جلاله:( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ)(الزمر:6) وفيها محطات:
1- أن الأنعام مُنْزَلة ولذلك معان عدة: منها إنها خُلِقت بأمر الله النازل من السماء، ومنها التذليل و التسخير والتمكين كما يقال:أنزلهم على حكم فلان، بمعنى ذللهم على ذلك ، وشبيه ذلك قوله تعالى:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)(الحديد:25) أ] سخرناه.
2- أن الأنعام ثمانية أزواج وهي مذكورة في آية الأنعام وهي:( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) وسميت ثمانية أزواج لأنها تتكون من أربعة ذكور وأربع إناث فالذكور أزواج الإناث من صنفهم وكذلك الإناث أزواج الذكور من نفس الصنف إبلاً أو بقراً أو ماعزاً أو كان ضأناً وذلك ليبقى التناسل حسب سنة الله جل جلاله والله أعلم.
3- الظلمات الثلاث التي اكتشفها وقد أشار إليها ابن عباس رضي الله عنه بأنها: ظلمة الشيمة و ظلمة الرحم وظلمة البطن، وفي ذلك سبق قرآني دقيق جداً وقد جاء العلم موافقاً له.
يقول الحق تبارك وتعالى:( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا)(الزمر:21)، هنا بيان دورتان:
1) دورة المياه لكنها هنا لم تأت كاملة لأن ذُكرت فيما سبق فالماء ينزل من السماء وهي السحاب ثم يسقط على الأرض فتجري عليها و تتسرب داخلها حسب طبيعة الأرض.
2) دورة حياة النبات: عندما يختلط النبات الميت بالماء فيخرج زرعاً خضراً ثم يزهر و يثمر بألوان مختلفة وبأنواع متباينة حتى إذا بلغ أشده في النمو أو حتى إذا أصابته آفةٌ ما- من آفات النبات- صار يهيج أي ييبس بذهاب رطوبته فتذهب ألوانه المختلفة وتذهب ثماره الحلوة فتصفرّ الأوراق والبراعم الخضراء ويبقى يابساً متكسراً متفتتاً أي (حطاما) هذه مراحل نمو النبات لها تفاسير علمية دقيقة تؤيد دقة وصف الكريم لها مما يعني السبق القرآني في هذا المجال.
يقول الحق تبارك وتعالى:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)(الزمر)، في الآية إشارة إلى تشابه الموت والنوم من ناحية أن كلاهما (وفاة) ففي النوم تغادر الروح جسد النائم بشكل مؤقت و تبقى أجهزته الداخلية تعمل فيه بقدر ما تبقيه حياً، لكنه يفقد علاقته بالمحيط الخارجي ومنها فقده للإدراك و للإحساس بكافة أنواعهما كالإدراك العلمي و التفكيري والإحساس بالزمن، و يفقد كذلك الأمور الداخلية كالإرادة والانفعال والوجدانية، بينما الميت يفقد الحياة تماماً، ومن جهة أخرى إن في كلا النوم والموت انتقال الإنسان من عالم الشهادة إلى عالم غيبي، فالنائم يدخل عالم الرؤى والأحلام ويدخل الميت عالم البرزخ حقيقة، وبما أن الأعباء الحياتية التي تقع على الإنسان والتي يتحمل الجهاز العصبي جزأها الأكبر ففي النوم راحة للجسم من تلك الأتعاب حين يفقد الإدراك، مع العلم إن هناك بالمخ ما يسمى بالساعة الحياتية تقوم بتنظيم عمليتي اليقظة والنوم في الإنسان وهذا من فضل الله علينا.
يقول الحق سبحانه وتعالى:( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)(غافر:64) أي جعل الله جل جلاله السماء سقفاً للأرض تحيط بسطح الكرة الأرضية من كل مكان، ومنها الغلاف الجوي أو ما يسمى بطبقات الهواء الذي يحيط بها بسمك 300 كم، وبعد ذلك يأتي بناء ملايين النجوم وكثير من الكواكب والكويكبات و الأقمار تترابط فيما بينها و بينها وبين الأرض بقوى الجاذبية الكونية بحيث تجعلها تسبح في أفلاكها المرسومة لها من غير انحراف بل في توازن محكم مُشَكِلَّةً البناء العلوي فوق الأرض و في ذلك وصف إلهي دقيق يعجز على العلم الحديث الإتيان بوصف آخر وإلا سيحدث صرف عن المعنى العلمي والموضوعي.
يقول الرب سبحانه وتعالى:( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) هذا ذكر لمنافع الأنعام وهو الركوب والسفر بها ويكون للناقة، والأكل من لحومها ولم يذكر سبحانه (الألبان) ويحتمل أنه داخل في قوله سبحانه (تأكلون) أو داخل في قوله سبحانه :(منافع) حيث يضم جميع المنافع من باب عطف العام على الخاص، وكل ذلك إشارات إلهية على منافع الأنعام الكثيرة وقد تطرق إليها العلم الحديث بالتفصيل فأثبت عظمة الخالق العليم الحكيم.