تحدثنا فيما سبق أن للميت أربعة حقوق هي: الحق الأول: تجهيز الميت. والحق الثاني: سداد ديون الميت. والحق الثالث: إنفاذ وصية الميت. والحق الرابع: الدعاء للميت وبره، وتكلمنا عن بعض منها واليوم نكمل الباقي. وحق تجهيز الميت يقدم على الدين، والوصية، والإرث، فهذا الحق يشمل أجرة الغاسل، وثمن الكفن، وأجرة حافر القبر ونحو ذلك، وإن تبرع بها من تبرع من المسلمين فلهم الأجر والثواب من الله تعالى.
وتشييع الميت والصلاة على عليه له من الثواب العظيم ما يجعل الحي أن يحرص عليه، ولا يفوته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين" ولمسلم " أصغرهما مثل أحد".
والصلاة على الميت فرض على الكفاية، يقول صلى الله عليه وسلم: " صلوا على صاحبكم" ويؤم المصلين ولي المتوفى أو يأمر غيره، وكذا يتولى أولياؤه إدخال الميت ووضعه في القبر ثم أقاربه، إلا أن أوصى، فالوصي يكون عندئذ أولى الناس بإدخال الميت ووضعه في القبر.
الحق الثاني: سداد ديون الميت: يجب سداد جميع الديون التي على الميت؛ سواء أكانت هذه الحقوق حقوقاً لله تعالى كزكاة وصيام وكفارة ونذر وحج، أو حقوقاً للعباد بمختلف أنواعها وهذا الحق يقدم على الوصية والإرث.
الحق الثالث: إنفاذ وصية الميت: يجب إنفاذ الوصية كما هي ما لم يكن فيه حرام أو بدعة أو أن تكون مجاوزة للثلث، كأن يوصي للورثة من غير ضمان عليه، أو يوصي للعزاء، أو يوصي أن يدفن في مسجد، أو أن يوصي أن يبكى ويناح عليه، أو تتضمن ما يمنع النساء كالبنات أو الأخوات من الميراث فهذا جمع بين الظلم والسحت، ولا يصح تغيير الوصية أو كتمانها فمن فعل ذلك فقد ارتكبت زوراً وإثما مبيناً يقول تعالى: { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم} ٌسورة البقرة 181 ويقول تعالى: { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم ٌسورة البقرة283
الحق الرابع: الدعاء للميت وبره: ولقد ورد الدليل على أن الميت ينتفع بالدعاء والصدقة والحج والعمرة، يقول صلى الله عليه وسلم: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
ومما ينبغي على الورثة بعد ذهاب ميتهم أن يصلوا أقاربه، وأرحامه، وأصحابه وأصدقاءه وذلك بالزيارة، والإحسان، والسؤال عنهم بأي وسيلة من الوسائل الممكنة والمتاحة والمتوفرة لديهم، وكذا مشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم.
هذه هي حقوق الميت على الأحياء وفي مقدمتهم أولياؤه وأقاربه، فما حقوق ذوي وأهل الميت على إخوانهم المسلمين من أهل وجيران ومعارف وأصحاب وأصدقاء؟ إليكم أهم هذه الحقوق: أولاً: التعزية وهي مستحبة تخفيفاً للمصاب من وقع المصيبة، ومشاركة له في أتراحه وحزنه، فيجد فيها تسلية وسلواناً لنفسه، وتقديراً له من قبل إخوانه المسلمين، وتكون قبل الدفن وبعده. وليس للتعزية صيغة محددة إلا أن الأفضل والحسن أن يقال ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من الصحابة والتابعين أحسن الله عزاءك، أو أعظم الله أجرك، أو غفر الله لميتك، أو لله ما أخذ ولله ما أعطى. ثانياً: التعاون على حفر القبر وتشييع الميت ودفنه. ثالثاً: أن يصنع لأهل الميت الطعام من قبل الأهل والجيران، فعندما استشهد جعفر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله وجيرانه: " اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم".

السرحني