إعداد محمد عبدالظاهر عبيدو
في مقال اليوم نتحدث عن صناعة أخرى من الصناعات التي ذكرها القرآن الكريم وهي صناعة الفخار وهي التي تسمى اليوم بصناعة الخزف , وهي تتم عامة بعجن الطين ثم تجفيفه في الشمس , ثم طبخه في الأفران عالية الحرارة , ومصنوعات الفخار متعددة الأشكال والأنواع . وتعد هذه الصناعة من أقدم الصناعات والحرف اليدوية ومن أهمها, فإن الإنسان خلق من طين , والتعرف على الطين قبل التعرف على الألياف والجلود ومواد النسيج أمر طبيعي, لأن الإنسان يعيش علي الأرض , والأرض في طبيعتها ترابية ولهذا من الطبيعي أن يتعرف الإنسان علي ما هو أقرب الأشياء إليه , وقد ألهمه الله تعالي فكرة الاستفادة منها بصناعات ما يحتاج إليه من الأوانى والصحون وغيرها . ولقد وردت في القرآن الكريم كلمات تدل علي صناعة الفخار , ومن هذه الكلمات التي تدل دلالة مباشرة علي هذه الصناعة كلمة الطين والصلصال والفخار , وكلمة الطين معناها معروف وهو الوحل واحدته طينة وهو من الجواهر الموصوف بها تقول طينت البيت وطنت الكتاب إذا ختمته.
والصلصال في الأصل أنه الصوت الذى يكون أكثر من صوت اللجام ثم أطلق علي الطين , وقيل أصلا يدل علي الندى والماء القليل. وقيل يدل علي الصوت . ومن ثم فالصلصال من الطين ما لم يجعل خزفا , سمي به لتصلصله . وكل ما جف من طين أو فخار فقد صل صليلا.
والفخار ضرب من الخزف تعمل منه الجرار والكيزان وغيرها . أما الخزف فهو ما عمل من الطين وشوى بالنار فصار فخارا . فالفخار هو ما شكل من الطين ثم جفف , ثم شوى بالنار.
ومن المعروف أو المعلوم أن الطين يشكل مادة رئيسة للخزاف فإنه يصنع مصنوعاته من جرار وأقداح وآجر وغيرها , وقد أشار القرآن الكريم إلى صناعة الطين آجراً كما في سورة القصص وسورة غافرمخبرا أن فرعون طلب من هامان أن يصنع له صرحا من الطين فقال تعالى ( وَقَالَ فِرْعَوْنُيَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ
لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى
إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ {38} سورة القصص .وقال أيضا :وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ {36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) سورةغافر.
وقد أكد المفسرون أن فرعون هو أول من أمر بصناعة الآجر. والآية مليئة بالمشاهد الحية فإن فرعون يأمر وزيره بصناعة الآجربهذا القول الذي فيه صيغة الأمر للدلالة علي التجبر والتعظم.
ويعد الخزف من مصنوعات الطين , وللخزف أشكال وأنواع وقد ذكر القرآن الكريم كلمة الصلصال والفخار للدلالة علي المصنوعات الخزفية الطينية , وقد وردت كلمة الصلصال في القرآن اربع مرات أما كلمة الفخار فقد وردت مرة واحدة مع الصلصال قال تعالي ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون ) سورة الحجر, وقال سبحانه :(وإذ قال ربك للملائكة إني خلق بشرا من صلصال من حمأ مسنون )سورة الحجر, وقال جل علاه حكاية علي لسان إبليس:( قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون) سورة الحجر , وقال أيضا:( خلق الإنسان من صلصال كالفخار) سورة الرحمن . وفحوي القول إن القرآن الكريم في هذه الآيات التي ذكرناها يريد أن يوضح لنا الأطوار التي مرت علي خلق الإنسان إلا أن هذه الأطوار كانت غير مرئية , فجعلها القرآن مرئية محسوسة كعادته الميمونة بتشبيه جميل ورائع , وذلك بأنه استوحي من واقع المجتمع الإنساني في معانيه ومفاهيمه في تصوير هذه الأطوار التي مرت بها مادة خلق الإنسان , فوظف صناعة الفخار لهذا التصويرالبديع واختار منها كلمتين (الصلصال والفخار ) ليعبر بها عن تلك الاطوار المعهودة , ويجعل المعقول محسوسا . ومن هنا فإشارة القرآن الكريم إلي هذه الصناعة واضحة . وكلمة الصلصال والفخار تشيران إلي مرحلتين لصناع الفخار والخزف وهما :
المرحلة الأولي :أنه من المعروف أن صانع الفخار أول ما يفعل أنه يعجن الطين, ثم يصوغ من قوالب معينة صورا وأشكال حسبما يشاء ثم ييبسه أو بعد اليبس تصبح مصنوعاته صلصالة.
المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي تلي مرحلة الصلصال ، وهو أن يقصد الصانع بعد أن ييبس مصنوعاته التي طبخها بالنار ، وبعد الطبخ بالنار تصبح مصنوعاته فخارا.
هكذا نجد القران الكريم يتحدث عن هذه الصناعة وأطوارها ولاشك أن هذه الصناعة اليوم تطورت ولها المصانع الكبرى ونحن نحتاج إلى أن نبرع فيها وأن يكون أبناؤنا من المبدعين فيها لترتقي معالم حضارتنا.
والله ولى التوفيق