قبل ان يشارف خير الشهور "رمضان" على الرحيل، قام جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بقيادة سيارته رقم واحد "رنج روفر" بلباسه العسكري وهيبة القائد، ليعيدنا للزمن الجميل ولجولاته الاولى، وهو يتجول في مناطق وولايات واودية عُمان للبناء والتعمير، واليوم بعد ان اكتمل البنيان وازدهرت ارض الغبيراء، فان جلالته يضع حجر الاساس لمتحف عمان عبر الزمان ليربط الماضي التليد بالحاضر المجيد.
فرغم الظروف الصحية التي انتهت والحمد لله، وبالرغم من حرارة الطقس، حمل السلطان هموم وطنه وشعبه، ويتابع احوال رعيته، فسيرته حافلة بالعطاء والإنجاز والتفاني والإخلاص من اجل الوطن منذ تولى الحكم، واليوم يؤسس لإرث خالد ليبقى مرجعاً من أهم مراجع التاريخ العماني ولكل الازمنة.
ما اعظمها من رسالة، عندما يكون هناك متحف خالد لعمان يجمع بين اركانه تاريخ حضارة لدولة تنمو وتزدهر وتاريخها ضارب الجذور ، حضارة مجان ومزون وعمان، والبليد وسمهرم وبات ومناطق عديدة لها آلاف السنين قبل الاسلام وبعده وليومنا هذا.
تاريخ يحكي باننا من أوائل من اسلم بعد وصول مبعوث سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم "عمرو بن العاص" عام 630م ، واننا الابرز في الانشطة التجارية والملاحة البحرية خلال القرن التاسع عشر، وساهمت عمان في نشر الإسلام في افريقيا والهند والصين ، في عهد بني نبهان واليعاربة والبوسعيديين.
تاريخ سيوثق للاجيال والاحفاد من هم صناع التاريخ في عمان، منذ التاريخ وما قبله وحتى تولى آل سعيد الحكم في عمان. وحتى عهد السلطان قابوس باني نهضة عمان الحديثة وقائد النهضة "ابقاه الله".
شكرا والدي السلطان على هدية العيد للشعب، الدول تسارع لبناء مخازن الاسلحة وعقد الصفقات، وفي بلدي يهدينا الحكيم اعظم هدية في القرن الحديث متحف لكل الاجيال الحاضرة والقادمة يحكي من الف للياء عبق وحضارة عمان على مر العصور، لتبقى بلدي منارة وحضارة وسيخلدها الانسان ويذكرها الجميع في كل الازمنة والعصور.!
مشهد يؤكد النهج الحكيم في كيفية تعميق وربط التاريخ بالحضارة وترسيخ القيم لدى المواطن بان عمان بلد وجدت ونشأت قبل آلاف السنين، لها روابط مع كل الحضارات القديمة.. ومتحف عمان سيعزز ويرسخ ذلك الامر في تلاحم متواصل حتى عهد النهضة المباركة لجيل يرغب برؤية تاريخه يمتزج فيه فكر الماضي الفريد مع التقدم الحديث، لتكون المحصلة جيلا جديرا بحمل اسم عمان على مر العصور.
متحف سيحكي للمجتمع العماني ـ والعربي والاسلامي والاجنبي والوافد والمقيم ـ تاريخ جذوره ونشأته وعنوان تلاحمه وتآلف أطيافه، وعلمائه وأدبائه وشعرائه، حتى غدت عُمان واحة من واحات العلم والأدب.
سلطاننا، يعجز القلم واللسان عن وصفكم، وكرمكم، واولا قبل كل شيء عن عطاياكم لهذا البلد وللشعب، في اول جولة شرعتم واطلقت العنان لبناء المدارس والمستشفيات ورصف الطرق وغيرها، واليوم شيدتم صرحا تاريخيا وللابد ومن عنوانه ومكان اختياره يوحى باننا امام صرح سنجد بين جدرانه اجابة عن كل سؤال يتعلق بتاريخ وطن ورجالاته الذين سطرو التاريخ باحرف من نور في اللغة والسياسة وعلوم الدين والبحار وشيدو القلاع والحصون ومجاري العيون ونشرو الاسلام وفتوحاتهم وصلت للشرق والغرب، حتى تعيين اول سفير في اميركا والوصول الى الصين.
اليوم يؤكد جلالته ـ حفظه الله ـ باطلاق هذا المشروع الضخم، بانه يواصل رسالته السامية بان يجعل عمان دولة حديثة وعصرية ودولة مؤسسات متكاملة وهذا ما اعلنه في خطابه السامي الاول، واليوم يدعونا جلالته للمحافظة على منجزات عهده، ويوثق لنا تاريخنا الحافل الممجد والمسطر في سجلات المكتشفين والرحالة وكتب التاريخ والجغرافيا، لتكتمل الاية والصورة في اذهان الاجيال والاحفاد بان عمان والسلطان الذي أثلج صدورنا بطلته، وارسل رسالة للشعب بانه يقود وسيقود السفينة كعادته لاكمال المسيرة ويتعهد بان يصوغ تاريخ عمان بنفسه وبحكمته وخبرته وحرصه على تاريخ الشعب ومسيرة الوطن.
كل الدعاء الخالص والتمنيات الصادقة بان يحفظكم رب العرش العظيم ياصاحب الجلالة، فوالله لقد اعطيتم لعمان واهلها كل ما تتمناه .. فشكرا ياعراب ومهندس الاتفاق النووي، ورجل السلام والوئام، الذي نذر حياته لخدمة شعبه ووطنه وقضايا امته وتحقيق الأمن والسلام في العالم اجمع. انها مسيرة وعظمة قائد لكل الازمنة.. وكل عام والجميع بالف خير .. وعيدكم مبارك.

د. احمد بن سالم باتميرة
[email protected]