قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
آل عمران (6)

من خلال هذه الآية نتفكر في خلق الإنسان والإعجاز القرآني في ذلك

معاني المفردات:

*(هو): الله الذي لا إله غيره.
*(الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ): أي يجعلكم على صورة معينة يختارها ويريدها.
أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات وأصل الرحِم من الرحمة، لأنها مما يتراحم به.
واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله؛ فالصورة مائلة إلى شَبَه وهيئة.

*(الأَرْحَامِ) : جمع رحم، وهو وعاء الجنين في بطن أمه.
وقد بيّن الله تعالى في آية ثانية أن الجنين في بطن أمه في ظلمات ثلاث، وهي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، وهو الوعاء المائي الذي يكون فيه الجنين.

*(كَيْفَ يَشَاءُ): يعني أنه يصورنا على أي كيفية شاء، فلا خيار لنا في اختيار الصورة المعينة للجنين الذي في البطن ، من ذكر وأنثى وحسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة، وغير ذلك من الشقاء والسعادة.
*( لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ):أي لا خالق ولا مصور سواه وذلك دليل على وحدانيته.
*(الْعَزِيزُ ):الذي لا يغالب.
*(الْحَكِيمُ): ذو الحكمة أو المحكم، يضع كل شيء في مكانه الصحيح.
التفسير الجملي :
تضمنت هذه الآيات تقرير إلهية الله وتعينها، وإبطال إلهية ما سواه، وفي ظلال العلم اللطيف الشامل الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يلمس المشاعر الإنسانية لمسة رفيقة عميقة , تتعلق بالنشأة الإنسانية . النشأة المجهولة في ظلام الغيب وظلام الأرحام , حيث لا علم للإنسان ولا قدرة ولا إدراك ، فالله يمنحكم الصورة التي يشاء ; ويمنحكم الخصائص المميزة لهذه الصورة . وهو وحده الذي يتولى التصوير , بمحض إرادته , ومطلق مشيئته ، ذو القدرة والقوة على الصنع والتصويرالذي يدبر الأمر بحكمته فيما يصور ويخلق بلا معقب ولا شريك .
وفي هذه اللمسة تجلية لشبهات النصارى في عيسى عليه السلام ونشأته ومولده ، الذين يزعمون ألوهيته !!
فالله هو الذي صور عيسى . . (كيف يشاء)لا أن عيسى هو الرب . أو هو الله أو هو الابن .
إلى آخر ما انتهت إليه التصورات المنحرفة الغامضة المجانبة لفكرة التوحيد الناصعة الواضحة اليسيرة التصور القريبة الإدراك !
لقد استمر الجدل بين العلماء في موضوع تخلق الجنين، وأخرجوا عدة نظريات فلقد تصور معظمهم أن الإنسان مختزل في الحبة المنوية فرسم له العلماء صورة وتخيلوا أنه يوجد كاملاً في النطفة المنوية غير أنه ينمو ويكبر في الرحم كالشجرة الصغيرة.
ومع الوقت اثبت العلماء بأن الكروموسومات في خلايا الإنسان تنقسم وتحمل خصائص وراثية مختلفة، فالإنسانية لم تعرف أن الجنين يتكون من اختلاط نطفة الذكر وبويضة الأنثى إلا في القرن الثامن عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في بداية القرن العشرين، لكن القرآن الذي نزل قبل أربعة عشر قرنا يقرر هذا في غاية الوضوح!
فالنطفة الأمشاج في قوله تعالى:"إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا"
تعبر عن هذا الإعجاز ، فأول مرحلة من مراحل خلق الإنسان في الرحم هي:
النطفة وهذا ما سنتكلم عنه غدا بإذن الله.
تقبل الله صيامكم وقيامكم وصالحات أعمالكم وجعل جزاءكم الفردوس الأعلى من الجنة بصحبة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


جوخة بنت علي بن عبدالله الحارثية
دائرة الإرشاد النسوي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية