[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
أثار مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي وافقت عليه الحكومة المصرية موجة من الجدل ما بين مؤيد ومعارض لهذا القانون .. فهناك من يتحفظ على القانون ويبدي تخوفات كثيرة من أن يؤدي هذا القانون إلى الإضرار بالحريات بحجة أن التعريفات الخاصة بالعمل الإرهابي وتمويل الإرهاب جاءت فضفاضة وغير منضبطة .. كما أن القانون لم يحدد ما هي الوسائل الإرهابية وما هو الغرض الإرهابي أو مفهوم التخابر .. والقانون أيضا يساوي في العقوبة بين تهمة التحريض والجريمة التامة وتجاهل القصد الجنائي، وهو أن يكون المتهم على علم بالجريمة وتوسع في العقوبات حيث عاقب بالسجن المؤبد أو بالسجن المشدد الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات كل من حاول بالقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع أو بغير ذلك من وسائل العمل الإرهابي تغيير شكل الحكومة، ما يعني أنه في حال لو هدد العمال بالاعتصام لتغيير وزير فاسد أو رئيس حكومة فاشل يعاقبون بالسجن 10 سنوات على الاقل.
نقابة الصحفيين في مصر هي أول من اعترضت على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، حيث رأت أن هناك مواد في القانون تخالف الدستور خاصة المادة "33" التي تجيز حبس الصحفيين حال التعمد في نشر أخبار مغلوطة تتعلق بالعمليات الإرهابية، فضلا عن وجود 4 مواد أخرى في حاجة إلى تعديل نصوصها .. بعد ذلك امتدت أزمة مشروع القانون إلى جهات أخرى معارضة له مثل المجلس الأعلى للقضاء والمجلس القومي لحقوق الإنسان ونقابة المحاميين وعدد كبير من الأحزاب السياسية حذرت الحكومة من الموافقة على إصدار هذا القانون دون حذف أو تعديل المواد المثار حولها الجدل.
اللافت أن الأب الشرعي لهذا القانون غير متفق عليه، فالبعض يقول إن هذا القانون هو قانون الدكتور مفيد شهاب الذي أعده أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك في مجلس الشعب خلال الفترة من العام 2005 إلى عام 2010 وأن المستشار مجدي العجاتي رئيس لجنة الأمن القومي باللجنة العليا للإصلاح التشريعي سلمه لهذه اللجنة والبعض يقول إن مشروع القانون أعدته وزارة العدل وأرسله مجلس الوزراء إلى اللجنة العليا للاصلاح الذي أدخلت عليه 4 مواد فقط، وأرسلت المشروع كاملا إلى مجلس الوزراء بسبب ضيق الوقت والرغبة في سرعة إصدار القانون بسبب حادث اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات لكن الشيء المؤكد أن القانون لم يتم إقراره من اللجنة العليا للإصلاح التشريعي.
وهناك من يقول إن المادة "33" الخاصة بنشر بيانات غير صحيحة والتي اعترضت عليها نقابة الصحفيين تم وضعها من جانب مجلس الوزراء، ولم تكن ضمن مشروع القانون المرسل من وزير العدالة الانتقالية للحكومة، فضلا عن أن هذا القانون يحمل عبارات مطاطة وواسعة حيث إن تعريف الجريمة الإرهابية الموجود في القانون نوع من أنواع الاجتهاد، حيث اعتمد على ما جاء في المادة 86 من قانون العقوبات، كما أن صياغة القانون تفتقد إلى أصول التشريع حيث أخلت بمبادئ مستقرة فعاقب على الأعمال التحضيرية للجريمة وخلط بين واجبات القانون والدستور، ومن الناحية العملية يصعب تطبيق القانون لأنه وسع في المحظورات.
شيوخ القضاء والفقهاء الدستوريون يرون أن هناك 10 تحفظات على القانون أهمها أن المادة الأولى قامت بتعريف الجماعة الإرهابية بأنها كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو جهة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل تهدف إلى ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الإرهاب .. فما معنى الجهة فهي كلمة إنشائية لا تنبئ عن نص منضبط .. كما أن القانون لم يحدد ماهية الأساليب الإرهابية والغرض الإرهابي بدقة، كما تجاهل القصد الجنائي، وهو ما يعني أن المتهم لا بد أن يكون على علم بالجريمة حتى يكون هناك عقوبة في حين أن تعريف تمويل الإرهاب لم يراع هذا المبدأ القانوني عندما ذكر أن من بين من يمول الإرهاب هو من يوفر ملاذا آمنا لإرهابي أو أكثر ولم يذكر أن يكون على علم بأنه إرهابي.
ومن المعروف في أصل القانون الجنائي أن عقوبة الشروع تختلف عن عقوبة الجريمة التامة، إلا أننا نجد أن المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب تحمل خللا جسيما لأنها تعاقب على التحريض على ارتكاب أية جريمة إرهابية بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة، ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر، وهذا يعني أن مجرد الكلام دون ارتكاب الجريمة يؤدي إلى معاقبة صاحبه بنفس عقوبة الجريمة التامة .. وفي نفس الوقت لم يحدد القانون مفهوم التخابر الذي تحدثت عنه المادة 13 وعاقبت بالسجن المؤبد كل من سعى أو تخابر لدى دولة أجنبية أو أية جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة أو غيرها يكون مقرها داخل مصر أو خارجها أو لدى أحد ممن يعملون لمصلحة هذه الدولة الأجنبية أو أي من الجهات المذكورة، وذلك بهدف ارتكاب أو الإعداد لارتكاب جريمة إرهابية داخل مصر أو ضد أي من مواطنيها أو مصالحها أو ممتلكاتها أو مقار ومكاتب بعثاتها الدبلوماسية أوالقنصلية أو فروع مؤسساتها في الخارج. وهنا يتساءل خبراء القانون: هل منظمات المجتمع المدني تدخل في دائرة التخابر؟ وهل لقاء سياسيين مع سفراء دول أجنبية تخابر؟ وهل التعاون مع منظمات مجتمع مدني أجنبية أو حقوقية يعد نوعا من التخابر؟
كثيرة هي مواد قانون مكافحة الإرهاب التي تحتاج إلى تعديل وتوضيح في بعض نصوصها، وهو ما دفع رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب بعد لقائه مع وفد من نقابة الصحفيين في مصر إلى أن يعدهم بدراسة كل المقترحات والملاحظات المقدمة حول مواد هذا القانون المثير للجدل .. فهل تنجح الحكومة المصرية في إصدار هذا القانون في الوقت الذي تتسارع فيه العمليات الإرهابية في مصر؟!