ترحال عابر للحدود بالسطور المصورة

رؤية ـ حسام محمود:
نجح الكاتب الراحل أنيس منصور فى تصوير ملاحم السفر والترحال حول العالم، وكأن القراء يجوبون معه البقاع المختلفة يحملون همومهم لتندثر، ويستبدلونها بصور باهرة بقلمه وتصويره الملحق بمؤلفه لتبدو الرحلات كأن القراء هم من يقومون بها فى مشارق الأرض ومغاربها. ويظل أنيس منصور ربان السفينة الحائر بين المدن يقدم عادات وتقاليد شرقية وغربية وأوروبية بعضها تقليدى بالنسبة للشعوب والآخر غريب عن القراء بل عجيب، لتصل ذروة التفاعلات مع كلمات قلم منصور الباحث عن لذة الترحال بالقراءة بين الشعوب والبلدان ليجوب المعمورة فى خضم البحث عن كل ما هو غريب وطريف، ليكون السفر بالقراءة عابرا لحدود العقل بصور ينقلها الكاتب، فيما يعد فرصة لمعايشة الشعوب دون عناء الترحال بتقليب وقراءة الصفحات ليبرى العقل فى تصورات تلك البقاع السحرية بوحي الخيال، حتى لقب أنيس منصور بهذا المؤلف الإبداعى بالسندباد العصرى الذى جاب المعمورة ليلخص حياة المجتمعات وشعوب الأرض فى صفحات يقلبها العامة والمثقفون عبر الأزمنة لتحكى كل شيء بقلمه الرائع.

رحلات تاريخية
"حول العالم في 200 يوم" هو عنوان كتاب شهير يحمل معه إشارات من الكاتب أنيس منصور عن فحوى الترحال العابر للحدود بالسطور المصورة. وقد صدر سلسلة من الطبعات من هذا الكتاب منذ سنة 1963م ضمن أوسع الكتب انتشارا بالمنطقة العربية بطبعات فاخرة. وعرض في هذا الكتاب معلومات عن الدول المختلفة خصوصا دول جنوب شرق آسيا مثل: الهند وسيلان وسنغافورة وأستراليا واليابان والفلبين وهونج كونج، ثم زار أيضا الولايات المتحدة الأميركية وجزيرة هاواي. وتحدث أيضا خلال رحلته إلى اليابان عن اللؤلؤ المستزرع الذي اكتشفه ميكوموتو الذي قام بأول عملية استزراع للؤلؤ. وكتب عما أعجبه في هذه البلاد من تقاليد وعادات مختلفة تبهر الجميع، وتشابهها مع عادات الدول الأخرى. وتحدث في الكتاب عن اعتزازه بكونه أول صحفي في العالم كله أجرى مقابله حصرية مع الدالاي لاما زعيم التبت (الحائز على جائزة نوبل في السلام) ، وقد أجرى معه مقابلة حصرية تم أخذ صورة خلالها لأنيس منصور مع الدالاي لاما داخل الكتاب، وكانت هذه أول صورة يراها العالم للدالاي لاما، وقد تم نشرها بدار أخبار اليوم بمصر، وتابعت الوكلات العالمية والصحف رحلة أنيس منصور بشغف حول العالم والتى جسدها بكتابه الشهير. وقد بدأ انيس منصور رحلته فى كتاب حول العالم في 200 يوم من داخل الهند ليطوف بعجائبها وطقوسها الفريدة وعبق الشرق فيها وألوانها الزاهية وصورة مزارعها وطبيعتها الخلابة وغرائب الهنود، ثم انتهى إلى داخل الولايات المتحدة الاميركية عالم السرعة فى كل شيء واستخدام لغة المال والعلم فى الحياة بشكل يصيب الانسان بالدهشة من تقدير قيمة أي شيء بالمال واللهث وراء النجاح بالعلم والتقدم، مرورا بسيلان الجزيرة الخضراء، وسنغافورة بجزرها السحرية، واستراليا بمساحاتها الشاسعة المليئة بالمناظر الخلابة والطبيعة البكر الباحثة عن مهاجرين، والفلبين واليابان بثوراتها البركانية وزلازلها وتأقلم أهلها مع هذه الظواهر الطبيعية دون عناء، وهونج كونج التى صارت مركزا صناعيا وتجاريا عالميا لافتا، وجزر هاواي أفضل مناطق العالم السياحية، وبكل ما فى هذه المناطق من طباع مختلفة ومتباينة تعبر عن لهجات شعوبها وعادات فريدة لأناس تختلف ألوانهم وطوائفهم ومعتقداتهم.

تصوير الشعوب
يتضح من خلال صفحات الكتاب أسلوب أنيس منصور الرائع في وصف الأحداث والأماكن حتى السخرية مما حوله، فالصينى رجل متفوق فى عملة يفكر بيديه ويتفلسف بمعدته، بينما الموسيقى تدل على براعة الصينيين فى شيء واحد هو انهم استطاعوا ان يحبسوا عشرات القطط والفيران فى آلاتهم الموسيقية على حد تعبير الكاتب. ويشبه البيانو عند الشرقيين بالصراع الدائم بين الدجاجة والحيوانات المفترسة، اما القيثارة عند الآسيويين فهى تشبة أفعى قد تكومت على صدر احد الحواة تنتظر عصفورا اطلقه احد المتفرجين. اما بقية الاصوات الموسيقية فهى تشبه عند الغرب ضرب أدوات المطبخ بالملاعق. كان أنيس منصور دائم التنقل من بلد إلى بلد مستقلا الطائرات النفاثة أو الطائرات ذات المحركات لقد زار بيت احمد عرابى في سيلان الذى تحول بعد وفاتة إلى متحف. وانبهر بالراديو الترانزيستور، والتقي بفتيات الجيوش فى جنوب شرق آسيا، وكتب كثيرا عن زراعة اللؤلؤ بشكل خاص نتيجة شهرته وذيوع انتشاره فى العالم، وزار هوليود والتقى بمارلين مونرو ملكة الإغراء فى السينما الأميركية. وكتاب حول العالم فى 200 يوم كتاب اكثر من رائع بشهادة الكثيرين الذين جذبهم مئات المرات لقراءته، وأعادوا قراءته من جديد فهو ليس مجرد وصف لتلك البلاد التي زارها انيس منصور فقط بل وصف البشر وسلوكهم وافكارهم وتاريخهم، ووصف اللحظات التي عاشها أنيس منصور فى تلك البلاد ليقرأ المتابع بعد ذلك الكتاب ليجد نفسه مع منصور يعيش فى تلك البلاد ويتنقل في كل مكان حاملا حقيبة ظهر صغيرة وكاميرا فوتوغرافية فقط وعقل كبير يستوعب كل ذلك العالم.