يخاطبنا القرآن الكريم في سورة نوح بقول الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: فقلت يا قوم استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" نوح-آية من 10-12. يُروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب". يلاحظ المتتبع للقرآن الكريم ارتباطا متكررا بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى الله وبين زيادة الرزق وانسيابه في حياة الناس. ولذلك إذا رغب انسان في تحسين مستوى معيشته واحداث التغيير باتجاه إصلاح حياته في جميع مجالاتها النفسية والاجتماعية والمالية والمهنية والصحية؛ عليه أن يراجع أخلاقه، ويتفقد تصرفاته وأفكاره ومشاعره وموقفه من نفسه ومن الناس ومن الحياة والكون.
وهذا الناموس الأخلاقي يمكن تعميمه على المجتمع وعلى المؤسسات، فكلما تحققت مبادئ العدالة وانتشرت الأخلاق وأقيم العدل في الحياة، فإن ذلك يكون من الأسباب الجوهرية لتحقيق التقدم والرفاه والاستقرار الاقتصادي.
كنت استشعر هذه المعاني أثناء استماعي لخطبة عيد الفطر في مسجد الشنفري بمنطقة السعادة بصلاله، حيث أقبل رجال ونساء وأطفال إلى صلاة العيد في جو من الروحانية والرخاء والأمان. وتمنيت أن تقام ورش وملتقيات ومجالس ذكر مخصصة لتدريب الناس على شكر النعم، وحمد الله على الأمن والأمان وتعليم الناس أن يتصالحوا مع أنفسهم ومع ربهم بعبادته وذكره وحمده والإنابة إليه. وأن يكثر الناس من الحمد والثناء على الله وهم يعيشون حالة الازدهار والرخاء. يروى عن الصالحين قولهم: إذا جاءك ما تحب فأكثر من حمد الله، وإذا جاء ما تخشى وتكره فأكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله، وإذا تأخر عليك الرزق فأكثر من الاستغفار.
مضى الخطيب في خطبته التي نجح في ربطها بواقع المستمعين؛ مشيرا بأن تحسين حياتنا ينبغي أن يبدأ بتغيير الذات أخلاقيا. فمن خلال اصلاح الأخلاق يمكن أن يتغير كل شيء في حياة الأفراد والمجتمع والمؤسسات.
يروى عن الحسن البصري قوله: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم؛ فإنكم لا تدرون في أي وقت تنزل البركة. فإذن هناك تيار من الطاقة المتحركة بين ما يفكر فيه الناس وما يقولونه فيما بينهم وفي مجالسهم وما يفعلونه في حياتهم وكذلك معتقداتهم وقناعاتهم وبين مستوى حياتهم الاقتصادية والأمنية.
فنحن مرتبطون مع كل شيء في الكون، متحركون في حقل القدر الذي نؤثر في أحداثه ووقائعه من خلال تفكيرنا وأقوالنا وفي الحديث لا يدفع القضاء إلا الدعاء.
يشبه العلماء العقل البشري بجهاز كمبيوتر مربوط بقاعدة بيانات كونية عملاقة تشكل الذاكرة البشرية المتصلة بحقل من الذكاء الصافي والتي اعتبرها الفيزيائي إسحاق نيوتن مادة غير مرئية أطلق عليها اسم الأثير. وهو وسيط معرفي يملأ الفضاء. وربما يشبه هذا الحقل مفهوم اللوح المحفوظ الذي سكب الله فيه شفرة الحياة بكل ما كان وما هو كائن وما سيكون. ويستطيع إنسان الدخول إلى هذا الحقل العملاق من خلال التأمل والصلاة والتفكير الإيجابي وعقد النية الإيجابية، ولا يغير في القضاء إلا الدعاء. من هنا فإن مواظبة الإنسان على ذكر الله وشكره واستغفاره؛ يحرك تلك الطاقة النقية الصافية في ذلك الحقل اللانهائي للنور للاستكثار من الخير وتجنب الشر بجميع أنواعه وأشكاله.